للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: «فإنَّ دعوتهم تحيطُ من ورائهم» هذا من أحسن الكلام وأوجزه وأفخمه معنى؛ شبَّه دعوةَ المسلمين بالسُّور والسِّياج المحيط بهم، المانع من دخول عدوِّهم عليهم، فتلك الدعوةُ ــ التي هي دعوةُ الإسلام، وهم داخلوها ــ لمَّا كانت سُورًا وسياجًا عليهم أخبر أنَّ من لَزِمَ جماعةَ المسلمين أحاطت به تلك الدعوة ــ التي هي دعوةُ الإسلام ــ كما أحاطت بهم، فالدعوةُ تجمعُ شملَ الأمَّة، وتَلُمُّ شَعَثَها، وتحيطُ بها، فمن دخلَ في جماعتها أحاطت به وشَمِلَته.

الوجه الثالث والخمسون: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمرَ بتبليغ العلم عنه؛ ففي «الصحيح» من حديث عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بلِّغوا عنِّي ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذبَ عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعدَه من النار» (١).

وقال: «ليبلِّغ الشاهدُ منكم الغائب».

روى ذلك: أبو بكرة، ووابصةُ بن معبد، وعمارُ بن ياسر، وعبدُ الله بن عمر، وعبدُ الله بن عباس، وأسماءُ بنت يزيد بن السَّكن، وحُجَير (٢)، وأبو قُريع (٣)، وسَرَّاءُ بنت نبهان، ومعاويةُ بن حيدة القشيري، وعَمُّ أبي حُرَّة (٤)،


(١) «صحيح البخاري» (٣٤٦١).
(٢) ابن أبي حُجَيْر الهلالي. أخرج حديثه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٣/ ٣٠٢)، والحارث بن أبي أسامة في «مسنده» (٣٨٦ - زوائده)، وغيرهما، وإسناده صالحٌ كما قال ابن حجر في «الإصابة» (٢/ ٤١).
(٣) اسمه: شريح. أخرج حديثه ابن منده. «الإصابة» (٧/ ٣٣٢).
(٤) اسمه: حنيفة. وقيل غير ذلك. انظر: «المعجم الكبير» للطبراني (٤/ ٥٣)، و «الإصابة» (٢/ ١٤٠). وحديثه عند أحمد (٥/ ٧٢) وغيره.