للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك إذا فكَّر في آخر الأطعمة المُفْتَخَرة (١) التي تفانت عليها نفوسُ أشباه الأنعام، وما يصيرُ أمرُها إليه عند خروجها؛ ارتفعت همَّتُه عن صرفها إلى الاعتناء بها، وجَعْلِها معبودَ قلبه (٢) الذي إليه يتوجَّه، وله يرضى ويغضب، ويسعى ويكدح، ويوالي ويعادي؛ كما جاء في «المسند» (٣) عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّ الله جَعَل طعامَ ابن آدم مَثَل الدنيا وإنْ قَزَحَه (٤) ومَلَّحَه فإنه يعلمُ إلى ما يصير» أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذا وقع فكرُه على عاقبة ذلك وآخر أمره، وكانت نفسُه حُرَّةً أبيَّة، ربأ بها أن يجعلها عبدًا لما آخرُه أنتنُ شيءٍ وأخبثُه وأفحشُه.

فصل (٥)

إذا عُرِفَ هذا، فالفكرُ هو إحضارُ معرفتين في القلب، ليستثمر (٦) منهما معرفة ثالثة.

ومثالُ ذلك: إذا أَحْضَرَ في قلبه العاجلةَ وعيشَها ونعيمَها وما يقترنُ به من الآفات وانقطاعه وزواله، ثمَّ أَحْضَرَ في قلبه الآخرةَ ونعيمَها ولذَّتها


(١) أي: الفاخرة، من الافتخار. تعبيرٌ مولَّد.
(٢) (ت): «معبودة قلبه».
(٣) (٥/ ١٣٦) من زوائد عبد الله، و «الحلية» لأبي نعيم (١/ ٢٥٤)، وغيرهما من حديث أبي بن كعب.
وصححه ابن حبان (٧٠٢)، وخرَّجه الضياء في «المختارة» (١٢٤٥).
ورُوِي موقوفًا من وجهٍ أصح. انظر: «المرسل الخفي» (٢/ ٦٣٢).
(٤) أي: جعل فيه الأقزاح (جمع قِزْح)، وهي التوابل والأبازير. «اللسان».
(٥) مستفاد من «الإحياء» (٤/ ٤٢٥).
(٦) (ت): «تستثمر».