للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودوامَه وفضلَه على نعيم الدنيا، وجَزَم بهذين العِلمَين= أثمرَ له ذلك علمًا ثالثًا، وهو أنَّ الآخرةَ ونعيمَها الفاضلَ الدائمَ أولى عند كلِّ عاقلٍ بإيثاره من العاجلة المنقطعة المنغَّصة.

ثمَّ له في معرفة الآخرة حالتان:

إحداهما: أن يكون قد سمع ذلك من غيره، من غير أن يُباشِرَ قلبَه بَرْدُ اليقين به، ولم يُفْضِ قلبُه إلى مُكافَحة (١) حقيقة الآخرة. وهذا حالُ أكثر الناس.

فيتجاذبُه داعيان:

* أحدهما: داعي العاجلة وإيثارها، وهو أقوى الداعيَيْن؛ لأنه مُشاهَدٌ له محسوس.

* وداعي الآخرة، وهو أضعفُ الداعيَيْن عنده؛ لأنه داعٍ عن سماع، لم يُباشِر قلبَه اليقينُ به، ولا كافحَه حقيقتُه العلمية.

فإذا تركَ العاجلةَ للآخرة تُرِيه نفسُه بأنه قد تركَ معلومًا لمظنون، أو متحقِّقًا لموهوم، فلسانُ الحال ينادي عليه: لا أدعُ ذَرَّةً مَنْقودةً لدُرَّةٍ موعودة (٢).

وهذه الآفةُ هي التي منعت النفوسَ من الاستعداد للآخرة وأن تسعى لها سعيَها، وهي مِنْ ضعف العلم بها وتيقُّنها، وإلا فمع الجزم التامِّ الذي لا


(١) كافحه مكافحةً وكفاحًا: لقيه مواجهةً. «اللسان» (كفح).
(٢) انظر: «شرح مقامات الحريري» (٥/ ٣٣٨)، و «الداء والدواء» (٧٩)، و «مدارج السالكين» (٣/ ٣٥٠)، و «عدة الصابرين» (٤٦٦).