للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإحسانٍ وجَبْر، والموالاةُ المنفيةُ موالاةُ حاجةٍ وذُل.

يُوضِّحُ هذا الوجهُ السادسُ والثلاثون بعد المئة: وهو ما رُوِي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوهٍ متعدِّدة أنه قال: «يحملُ هذا العلمَ من كلِّ خلفٍ عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» (١).

فهذا الحملُ المشارُ إليه في هذا الحديث هو التوكُّلُ المذكورُ في الآية، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن العلمَ الذي جاء به يحملُه عدولُ أمَّته من كلِّ خَلَف، حتى لا يضيعَ ويذهب.

وهذا يتضمَّنُ تعديلَه - صلى الله عليه وسلم - لحملة العلم الذي بُعِثَ به، وهو المشارُ إليه في قوله: «هذا العلم»، فكلُّ من حمَل العلمَ المشارَ إليه لا بدَّ وأن يكون عدلًا (٢)، ولهذا اشتهر عند الأمَّة عدالةُ نَقَلته وحملته اشتهارًا لا يقبلُ شكًّا ولا امتراءً (٣).

ولا ريب أنَّ من عدَّله رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُسْمَعُ فيه جرح؛ فالأئمةُ الذين اشتهروا عند الأمَّة بنقل العلم النبويِّ وميراثه كلُّهم عدولٌ بتعديل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا لا يُقبلُ قَدْحُ بعضهم في بعض، وهذا بخلاف من اشتهر عند


(١) سيأتي تخريجه مفصَّلًا قريبًا.
(٢) فيكتفى فيهم بالعدالة الظاهرة حتى يأتي ما ينقضها. وإلى هذا ذهب ابن عبد البر، وابن المواق، والذهبي، وابن سيد الناس، وابن الوزير، وغيرهم. وعليه العمل عند أهل الحديث فيمن تعذَّر العلم بعدالته الباطنة من الرواة. انظر: «فتح المغيث» (٢/ ١٨)، و «التمهيد» (١/ ٢٨)، و «جامع بيان العلم» (٢/ ١٠٩٣)، و «العواصم والقواصم» (١/ ٣٠٧)، وما مضى (ص: ١٣١).
(٣) (ت): «مراء».