للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الجملةُ لا يستريبُ فيها من له ذوقٌ من الشريعة وارتضاعٌ من ثَديها، وورودٌ من عَفْو حَوضِها (١)، وكلَّما كان تضلُّعه منها أعظمَ كان شهودُه لمحاسنها ومصالحها أكمل.

ولا يمكنُ أحدًا من الفقهاء أن يتكلَّم في مآخذ الأحكام وعِلَلِها والأوصاف المؤثِّرة فيها جمعًا وفَرْقًا (٢) إلا على هذه الطَّريقة، وأمَّا طريقةُ إنكار الحِكَم والتَّعليل، ونفي الأوصاف المقتضية لحُسْن ما أُمِرَ به وقُبْح ما نُهِيَ عنه، وتأثيرها واقتضائها للحبِّ والبغض الذي هو مصدرُ الأمر والنهي، بطريقةٍ جدليَّةٍ كلاميَّة= لا يُتصوَّرُ بناءُ الأحكام عليها، ولا يمكنُ فقيهًا أن يستعملها في بابٍ واحدٍ من أبواب الفقه.

كيف والقرآنُ وسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مملوآن من تعليل الأحكام بالحِكَم والمصالح، وتعليل الخلق بهما، والتَّنبيه على وجوه الحِكَم التي لأجلها شرع تلك الأحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان.

ولو كان هذا في القرآن والسُّنَّة في نحو مئة موضعٍ أو مئتين لسُقناها، ولكنه يزيدُ على ألف موضعٍ بطرقٍ متنوِّعة (٣):

* فتارةً يذكرُ لام التَّعليل الصريحة.

* وتارةً يذكرُ المفعول لأجله الذي هو المقصودُ بالفعل.


(١) عَفْوُ كلِّ شيء: خِيارُه وأجودُه وما لا تعب فيه. «اللسان» (عفا). وفي (ط): «صفو حوضها».
(٢) في الأصول: «حقا وفرقا». وأصلحت في (ط) إلى «حقا وصدقا». والصواب ما أثبت. وانظر: «إعلام الموقعين» (٤/ ١٠٤، ١/ ١٩٠)، و «بدائع الفوائد» (١٥٣٣).
(٣) انظر: «شفاء العليل» (٥٣٧ - ٥٧١)، و «الداء والدواء» (٣١ - ٣٤).