الحرائر، وما شاء من ملك يمينه من الإماء، فإن عجز عن ذلك أباح له نكاحَ الأمَة رحمةً به، وتخفيفًا عنه؛ لضَعْفِه.
ولهذا قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٥ - ٢٨]؛ فأخبر سبحانه أنه شرع لهم هذه الأحكام تخفيفًا عنهم؛ لضَعْفِهم وقلَّة صبرهم؛ ورحمةً بهم وإحسانًا إليهم.
فليس هاهنا ضرورةٌ تبيحُ المحظور، وإنما هي مصلحةٌ أرجحُ من مصلحة، ومفسدةٌ أقلُّ من مفسدة، فاختار لهم أعظمَ المصلحتين وإن فاتت أدناهما، ودَفَع عنهم أعظمَ المفسدتين وإن فاتت أدناهما.
وهذا شأنُ الحكيم اللطيف الخبير البَرِّ المُحْسِن.
فإذا تأمَّلتَ شرائعَ دينه التي وضعها بين عباده وجدتها لا تخرجُ عن تحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت قُدِّم أهمُّها وأجلُّها وإن فاتت أدناها (١)، وتعطيل المفاسد الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت عُطِّل أعظمُها فسادًا باحتمال أدناها.
وعلى هذا وَضَع أحكمُ الحاكمينَ شرائعَ دينه دالَّةً عليه، شاهدةً له بكمال علمه وحكمته ولُطْفِه بعباده وإحسانه إليهم.
(١) (ق، د): «أدناهما». خطأ. وسقط من (ت) من قوله: «وهذا شأن الحكيم» إلى هنا لانتقال النظر.