للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظيرُ هذا الملابسُ المحرَّمةُ إذا اضطرَّ إليها؛ فإنَّ ضرورته تمنعُ ترتُّبَ المفسدة التي حرِّمت لأجلها.

فإن قال: فهذا ينتقض عليكم بتحريم نكاح الأمَة؛ فإنه حرِّم للمفسدة التي تتضمَّنُه مِنْ إرقاق ولده، ثمَّ أبيحَ عند الضرورة إليه وهي خوفُ العَنَت الذي هو أعظمُ فسادًا من إرقاق الولد، ومع هذا فالمفسدةُ قائمةٌ بعينها، ولكنْ عارضها مصلحةُ حفظ الفرج عن الحرام، وهي أرجحُ عند الشَّارع من رقِّ الولد.

قيل: هذا لا ينقُض ما قرَّرناه (١)؛ فإنَّ الله سبحانه لمَّا حرَّم نكاحَ الأمَة لما فيه من مفسدة رقِّ الولد، واشتغال الأمَة بخدمة سيِّدها، فلا يحصُل لزوجها من السَّكن إليها والإيواء ودوام المعاشرة (٢) ما تَقَرُّ به عينُه، وتسكُن به نفسُه= أباحه عند الحاجة إليه، بأن لا يقْدِر على نكاح حُرَّة، ويخشى على نفسه مواقعة المحظور؛ فكانت المصلحةُ له في نكاحها في هذه الحال أرجحَ من تلك المفاسد.

وليس هذا حال ضرورةٍ يباحُ لها المحظور؛ فإنَّ الله سبحانه لا يضطرُّ عبدَه إلى الجِماع بحيثُ إن لم يجامِع مات، بخلاف الطَّعام والشَّراب، ولهذا لا يباحُ الزِّنا بضرورةٍ كما يباحُ الخنزيرُ والميتةُ والدَّم، وإنما الشَّهوةُ وقضاءُ الوَطَر يَشُقُّ على الرجل تحمُّله وكفُّ النَّفس عنه؛ لضعفه وقلَّة صبره، فرَحِمه أرحمُ الراحمين، وأباح له مِن أطايب النِّساء وأحسنهنَّ أربعًا من


(١) (د، ق): «لا ينقض بما قررناه». وفي (ت) و (ط): «لا ينتقض بما قررناه». والأشبه ما أثبت.
(٢) (د، ت): «المعاش». وصحِّحت في طرة (د).