للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعلقة والمضغة والتراب، ولا لنتكلَّم بها فقط (١)، ولا لمجرَّد تعريفنا بذلك (٢)، بل لأمرٍ وراء ذلك كلِّه هو (٣) المقصودُ بالخطاب، وإليه جرى ذلك الحديث (٤).

فانظر الآن إلى النطفة بعين البصيرة؛ وهي قطرةٌ من ماءٍ مهينٍ ضعيفٍ مُسْتَقْذر، لو مرَّت بها ساعةٌ من الزمان فسَدت وأنتنَت، كيف استخرجها ربُّ الأرباب العليمُ القديرُ من بين الصُّلب والتَّرائب، منقادةً لقدرته، مطيعةً لمشيئته، مذلَّلةَ القِياد على ضيق طُرقِها واختلاف مجاريها، إلى أن ساقها إلى مستقرِّها ومَجْمَعِها.

وكيف جمع سبحانه بين الذَّكر والأنثى، وألقى المحبَّة بينهما، وكيف قادهما بسلسلة الشَّهوة والمحبَّة إلى الاجتماع (٥) الذي هو سببُ تخليق الولد وتكوينه.

وكيف قدَّر اجتماع ذَينِك الماءين مع بُعْدِ كلٍّ منهما عن صاحبه، وساقهما من أعماق العروق (٦) والأعضاء، وجمعهما في موضعٍ واحدٍ جُعِلَ لهما قرارًا مكينًا، لا ينالُه هواءٌ يفسدُه، ولا بردٌ يجمِّدُه، ولا عارضٌ يصلُ إليه، ولا آفةٌ تتسلَّطُ عليه.


(١) (ت): «لنعلم بها فقط».
(٢) (ت): «معرفتنا لذلك».
(٣) (ت، د، ق): «وهو».
(٤) انظر: «الإحياء» (٤/ ٤٣٥ - ٤٤٠)، وأصول مباحث هذا الفصل منه.
(٥) (ق، د، ت): «بسلسلة المحبة والاجتماع». والمثبت من (ن، ح) والإحياء.
(٦) (ت): «أعلق العروق».