للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا يوجدُ في النَّوع الإنسانيِّ مِنْ زائدٍ في خَلْقِه (١) وناقصٍ منه ما يدلُّ على حكمة الربِّ تعالى، وأنه لو شاء لجعل خلقَه كلَّهم هكذا، وليَعْلَم الكاملُ الخِلقة تمامَ النِّعمة عليه، وأنه خُلِق خلقًا سويًّا معتدلًا، لم يُزَد في خَلْقه ما لا يحتاجُ إليه، ولم يُنْقَص منه ما يحتاجُ إليه كما يراه في غيره، فهو أجدرُ أن يزداد شكرًا وحمدًا لربِّه، ويعلم أنَّ ذلك ليس مِنْ صُنع الطَّبيعة، وإنما ذلك صنعُ الله الذي أتقنَ كلَّ شيء، وأنه يخلقُ ما يشاء.

فصل (٢)

مِنْ أين للطَّبيعة هذا الاختلافُ والفَرقُ الحاصلُ في النَّوع الإنسانيِّ بين صُوَرهم؟! فقلَّ أن ترى اثنين متشابهين (٣) من كلِّ وجه، وذلك من أندر ما في العالم، بخلاف أصناف الحيوان، كالنَّعم والوحوش والطَّير وسائر الدَّوابِّ؛ فإنك ترى السِّربَ من الظِّباء، والثُّلَّة من الغنم، والذَّوْد من الإبل، والصُّوار من البقر (٤)، تتشابهُ حتى لا يفرَّق بين أحدٍ منها وبين الآخر إلا بعد طول تأمُّلٍ أو بعلامةٍ ظاهرة، والنَّاسُ مختلفةٌ صُوَرهم وخلقُهم (٥)، فلا يكادُ اثنان منهم يجتمعان في صفةٍ واحدةٍ وخِلقةٍ واحدة بل ولا صوتٍ واحدٍ (٦)


(١) (ت): «خلقته».
(٢) «الدلائل والاعتبار» (٦٥)، «توحيد المفضل» (٤٦).
(٣) (ح، ن): «يرى اثنان متشابهان».
(٤) انظر: «فقه اللغة» للثعالبي (٢/ ٣٧٢، ٣٧٥، ٣٧٦، ٣٧٧).
(٥) كذا في الأصول و (ض)، سوى (ح): «وخلقتهم».
(٦) (ن): «ولا صورة واحدة».