للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تتمُّ مصلحتُه إلا بذلك، ألا ترى من قُطِعَت إحدى يديه أو رجليه كيف يبقى حالُه وعجزُه؛ فلو أنَّ النَّجَّار والخيَّاط والحدَّاد والخبَّاز والبنَّاء وأصحابَ الصَّنائع التي لا تتأتَّى إلا باليدين شُلَّت يدُ أحدِهم (١) لتعطَّلت عليه صنعتُه؛ فاقتضت الحكمةُ أن أُعطِيَ مِنْ هذا الضَّرب من الجوارح والأعضاء اثنين اثنين.

وكذلك أُعطِيَ شفتَيْن لأنه لا تكمُل مصلحتُه إلا بهما، وفيهما ضروبٌ عديدةٌ من المنافع ومن الكلام والذَّوق وغطاء الفَم والجمال والزِّينة والقُبلة وغير ذلك.

وأمَّا الأعضاءُ الثلاثية (٢)، فهي جوانبُ أنفه وحيطانُه الثلاثة (٣)، وقد ذكرنا حكمةَ ذلك فيما تقدَّم (٤).

وأما الأعضاءُ الرُّباعيةُ، فالكِعابُ الأربعةُ التي هي مَجْمَعُ القدمين، والممسِكةُ لهما، وبهما قوَّةُ القدمين وحركتُهما، وفيهما منافعُ السَّاقين.

وكذلك أجفانُ العينين الأربعة، فيها من الحِكَم والمنافع أنها غطاءٌ للعينين، ووقايةٌ لهما، وجمالٌ وزينة، وغيرُ ذلك من الحِكَم.

فاقتضت الحكمةُ البالغةُ أن جُعِلت الأعضاءُ على ما هي عليه من العَدَد والشَّكل والهيئة، فلو زادت أو نقصت لكان نقصًا في الخِلقة.


(١) (ح، ن): «أحدهما». وهو خطأ.
(٢) في الأصول: «الثلاثة». والأولى ما أثبت.
(٣) «الثلاثة» ليست في (ح، ن).
(٤) (ص: ٥٤٥).