للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورُباع، وما في ذلك من الحِكَم البالغة.

فالرَّأسُ واللسانُ والأنفُ والذَّكَرُ خُلِق كلٌّ منها واحدًا فقط، ولا مصلحة في كونه أكثر من ذلك، ألا ترى أنه لو أضيف إلى الرَّأس رأسٌ آخرُ لأثقلا بدنَه من غير حاجةٍ إليه؛ لأنَّ جميع الحواسِّ التي يحتاجُ إليها مجتمعةٌ في رأسٍ واحد، ثمَّ إنَّ الإنسان كان ينقسمُ برأسيه قسمين، فإن تكلَّم من أحدهما وسَمِع به وأبصر وشَمَّ وذاق بقي الآخرُ معطَّلاً لا أَرَبَ فيه، وإن تكلَّم وأبصر وسمع بهما معًا كلامًا واحدًا وسمعًا واحدًا وبصرًا واحدًا كان الآخرُ فضلةً لا فائدة فيه، وإن اختلف إدراكُهما اختلفت عليه أحوالُه وإدراكاتُه.

وكذلك لو كان له لسانان في فمٍ واحد، فإن تكلَّم بهما كلامًا واحدًا كان أحدهما ضائعًا، وإن تكلَّم بأحدهما دون الآخر فكذلك، وإن تكلَّم بهما معًا كلامَيْن مختلفَيْن خَلَط على السَّامع ولم يَدْرِ بأيِّ الكلامين يأخذ.

وكذلك لو كان له هَنَوانِ (١) أو فَمَانِ لكان ــ مع قُبح الخِلْقة ــ أحدُهما فضلةً لا منفعة فيه.

وهذا بخلاف الأعضاء التي خُلِقت مثنى، كالعينين والأذنين والشَّفتين واليدَيْن والرِّجلين والسَّاقين والفَخِذين والوَرِكين والثَّديين؛ فإنَّ الحكمة فيها ظاهرة، والمصلحة فيها بيِّنة (٢)، والجمال والزِّينة عليها بادية، فلو كان الإنسانُ بعينٍ واحدةٍ لكان مشوَّه الخِلقة ناقِصَها، وكذلك الحاجبان.

وأما اليدان والرِّجلان والسَّاقان والفَخِذان فتعدُّدهما ضروريٌّ للإنسان


(١) مثنى «هَن»، بتخفيف النون، كنايةٌ عن الفَرْج.
(٢) (ح، ن): «والمصلحة بادية بينة».