للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

ثمَّ تأمَّل هذه النَّملةَ الضعيفةَ وما أُعطِيَته من الفطنة والحيلة في جمع القُوت وادِّخاره وحِفْظه ودفع الآفة عنه؛ فإنك ترى في ذلك عِبَرًا وآيات.

فترى جماعةَ النَّمل إذا أرادت إحراز القُوت خرجت من أسرابها طالبةً له، فإذا ظَفِرَت به أخذت طريقًا من أسرابها إليه وشَرَعت في نقله، فتراها رِفْقتين: رِفْقةً (٢) حاملةً تحملُه إلى بيوتها سِرْبًا ذاهبًا، ورِفْقةً خارجةً من بيوتها إليه لا تخالطُ تلك في طريقها، بل هما كالخيطيْن، بمنزلة جماعة النَّاس الذَّاهبينَ في طريقٍ والجماعة الرَّاجعينَ من جانبهم في طريق.

فإذا ثَقُل عليها حملُ الشيء من ذلك اجتمعت عليه جماعةٌ من النَّمل وتساعدَت على حمله، بمنزلة الخشبة والحجر الذي تتساعدُ الفئةُ من النَّاس عليه.

فإذا كان الذي ظَفِرَ به منهنَّ واحدةً ساعدَها رِفقتُها عليه إلى بيتها وخلَّوا بينها وبينه، وإن كان الذي صادفه جماعةً منهنَّ تساعَدنَ عليه ثمَّ تقاسمنَه على باب البيت.

ولقد أخبرني (٣) بعض الصادقينَ (٤) أنه شاهدَ منهنَّ يومًا عجبًا، قال: رأيتُ نملةً جاءت إلى شِقِّ جرادةٍ فزاولَتْهُ، فلم تُطِق رفعَه (٥) من الأرض،


(١) «الدلائل والاعتبار» (٣٦)، «توحيد المفضل» (٦٥ ــ ٦٦).
(٢) الرفقة ــ بضم الراء وكسرها ــ: الجماعة المترافقون. «اللسان».
(٣) (ح، ق، ن): «أخبر». وفي «شفاء العليل» (٢٣٩): «حدثني من أثق به».
(٤) (ن): «العارفين».
(٥) (ح، ن): «حمله».