للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاعتبار به والاستدلال على النَّشأة الثَّانية وإحياء الخلق بعد موتهم، ولا ضعفَ في قدرة القادر التَّامِّ القدرة، ولا قصورَ في حكمته ولا في علمه يوجبُ تخلُّفَ ذلك، ولكنَّ الله يهدي من يشاء ويضلُّ من يشاء.

وهذا أيضًا من آياته الباهرة: أن يَعمى عن هذه الآيات الواضحات البيِّنات من شاء من خلقه، فلا يهتدي بها ولا يبصرُها، كمن هو واقفٌ في الماء إلى حلقه وهو يستغيثُ العَطش، وينكرُ وجودَ الماء!

وبهذا وأمثاله يُعْرَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ ويُشْكَرُ ويُحْمَد، ويُتَضرَّعُ إليه ويُسأل.

فصل (١)

ومن آياته وعجائب مصنوعاته: البحارُ المكتنِفةُ لأقطار الأرض، التي هي خُلْجَانٌ من البحر الأعظم المحيط (٢) بجميع الأرض، حتى إنَّ المكشوفَ من الأرض والجبال والمدن بالنسبة إلى الماء كجزيرةٍ صغيرةٍ في بحرٍ عظيم، وبقيَّةُ الأرض مغمورةٌ بالماء.

ولولا إمساكُ الرَّبِّ تبارك وتعالى له بقدرته ومشيئته وحبسُه الماءَ لطَفَحَ على الأرض وعَلاها كلَّها. هذا طبعُ الماء.

ولهذا حار عقلاءُ الطَّبائعيِّين في سبب بروز هذا الجزء من الأرض، مع اقتضاء طبيعة الماء (٣) للعلوِّ عليه وأن يَغْمُرَه، ولم يجدوا ما يُحِيلون عليه ذلك إلا الاعترافَ بالعناية الأزليَّة والحكمة الإلهيَّة التي اقتضت ذلك ليعيش


(١) كلمة «فصل» ساقطة من (د، ق، ت). وانظر: «الإحياء» (٤/ ٤٤٢).
(٢) في الأصول: «المحيط الأعظم». والمثبت من «الإحياء».
(٣) (ت): «طبيعة الأرض».