للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّموم (١)، وجعله الله بحكمته برزخًا بين سَموم الصَّيف وبَرْد الشتاء؛ لئلَّا ينتقل الحيوانُ وَهْلةً واحدةً من الحرِّ الشديد إلى البرد الشديد فيَجِدُ أذاه ويعظُم ضررُه (٢)، فإذا انتَقل إليه بتدريجٍ وترتيبٍ لم يصعُب عليه، فإنه عند كلِّ جزءٍ يستعدُّ لقبول ما هو أشدُّ منه، حتى تأتي جمهرةُ البرد (٣) بعد استعدادٍ وقبول. حكمةً بالغةً وآيةً باهرة.

وكذلك الرَّبيعُ برزخٌ بين الشتاء والصَّيف، ينتقلُ فيه الحيوانُ من برد هذا إلى حرِّ هذا بتدريجٍ وترتيب.

فتبارك الله ربُّ العالمين، وأحسنُ الخالقين.

فصل (٤)

ثمَّ تأمَّل حال الشمس والقمر وما أُودِعاه من النُّور والإضاءة، وكيف جعَل لهما بروجًا ومنازلَ يَنزِلانها مرحلةً بعد مرحلة؛ لإقامة دَولة السَّنة وتمام مصالح حساب العالَم الذي لا غِنى لهم في مصالحهم عنه؛ فبذلك يُعْلَمُ حسابُ الأعمار والآجال المؤجَّلة للدُّيون والإجارات والمعاملات والعِدَد وغير ذلك، فلولا حلولُ الشمس والقمر في تلك المنازل وتنقُّلهما فيها منزلةً بعد منزلةٍ لم يُعْلَم شيءٌ من ذلك.

وقد نبَّه الله تعالى على هذا في غير موضعٍ من كتابه، كقوله (٥): {هُوَ


(١) وهو الريح الحارَّة.
(٢) (ح): «وتعظم مضرته».
(٣) أي: معظمُه. وفي (ق): «جهرة البرد».
(٤) «الدلائل والاعتبار» (٥)، «توحيد المفضل» (٨٠ - ٨١).
(٥) (د، ق): «بقوله».