للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لفاتت مصالحُ الشتاء، ولو كان شتاءً لفاتت منافعُ الصَّيف، وكذلك لو كان ربيعًا كلُّه، أو خريفًا كلُّه.

ففي الشتاء تغُورُ الحرارةُ في الأجواف وبُطون الأرض والجبال (١)؛ فتتولَّدُ موادُّ الثِّمار وغيرُها، وتَبْرُد الظَّواهرُ ويَسْتكثِفُ الهواءُ فيه؛ فيحصلُ السَّحابُ والمطرُ والثَّلجُ والبَرَدُ الذي به حياةُ الأرض وأهلها، واشتدادُ أبدان الحيوان وقوَّتها، وتَزايُد القُوى الطَّبيعيَّة، واستخلافُ ما حلَّله حرارةُ الصَّيف من الأبدان.

وفي الرَّبيع تتحرَّكُ الطَّبائع، وتَظهرُ الموادُّ المتولِّدةُ في الشتاء؛ فيظهرُ النَّبات، ويَتنوَّرُ (٢) الشَّجرُ بالزَّهر، ويتحرَّكُ الحيوانُ للتَّناسُل.

وفي الصَّيف يحتدمُ (٣) الهواءُ ويسخُن جدًّا؛ فتنضجُ الثِّمار، وتَنْحَلُّ (٤) فضلاتُ الأبدان والأخلاطُ التي انعقَدت في الشتاء، وتغُورُ البرودةُ وتهربُ إلى الأجواف؛ ولهذا تبرُد العيونُ والآبار، ولا تهضِمُ المعدةُ الطَّعامَ التي كانت تهضمُه في الشتاء من الأطعمة الغليظة (٥)؛ لأنها كانت تهضمُها بالحرارة التي سكنَت في البطون، فلمَّا جاء الصَّيفُ خرجت الحرارةُ إلى ظاهر الجسد، وغارَت البرودةُ فيه.

فإذا جاء الخريفُ اعتدل الزَّمان، وصفا الهواءُ وبَرَد؛ فانكسَر ذلك


(١) (ض): «تعود الحرارة في الشجر والنبات».
(٢) (د، ق، ت): «ويتزرر». (ض): «وتنور».
(٣) في الأصول: «يحتد». والمثبت من (ر، ض) أشبه. وسيأتي (ص: ٦٣٩).
(٤) (ر، ض): «وتتحلل».
(٥) (د، ق، ت): «المغلظة».