للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

فهذه أقوى أدلَّة النُّفاة، باعترافهم بضعف ما سواها، فلا حاجة بنا إلى ذكرها وبيان فسادها.

فقد تبيَّن الصُّبحُ لذي عينَيْن، وجُلِيَت عليك المسألةُ رافلةً في حُلَل أدلَّتها الصَّحيحة، وبراهينها المستقيمة، ولا تَغْضُض طرفَ بصيرتك عن هذه المسألة، فإنَّ شأنها عظيمٌ وخَطْبها جسيم.

* وقد احتجَّ بعضهم بدليلٍ أفسدَ من هذا كلِّه، فقالوا: لو حَسُنَ الفعلُ أو قَبُحَ لذاته أو لصفته لم يكن الباري تعالى مختارًا في الحكم؛ لأنَّ الحكمَ بالمرجوح على خلاف المعقول، فيلزمُ الآخر؛ فلا اختيار (١).

وتقريرُ هذا الاستدلال ببيان الملازمة المذكورة أوَّلًا، وبيان انتفاء اللازم ثانيًا:

أمَّا المقام الأوَّل، وهو بيانُ الملازمة: أنَّ الفعل لو حَسُنَ لذاته أو لصفته لكان راجحًا على القُبح في كونه متعلَّقًا للوجوب أو النَّدب، ولو قَبُحَ لذاته أو لصفته لكان راجحًا على الحُسْن في كونه (٢) متعلَّقًا للتَّحريم أو الكراهة.

فحينئذٍ؛ إمَّا أن يتعلَّق الحكمُ بالراجح المقتضي له، أو المرجوح المقتضي لضدِّه (٣)، والثَّاني باطلٌ قطعًا؛ لاستلزامه ترجيحَ المرجوح، وهو


(١) انظر: «بيان المختصر» (١/ ٣٠٣)، و «رفع الحاجب» (١/ ٤٦٤).
(٢) (ت): «لكونه».
(٣) (ت): «إما أن يتعلق الحكم بالراجح المقتضي له أو بالمرجوح المقتضي له أو بالراجح المقتضي لضده».