للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعسى أن يكون فيه حِكَمٌ أُخر تقصُر عنها أفهامُ الخلق أو يزدريها السَّامعُ إذا عُرِضت عليه؛ فإنه لا يعرفُ موقعَها إلا في وقت الحاجة، فمن ذلك أنَّ الدَّابَّةَ ترتَطِمُ (١) في الوَحَل فلا يكونُ شيءٌ أعونَ على رفعها من الأخذ بذنَبها.

فصل (٢)

ثمَّ تأمَّل مِشْفَر الفيل وما فيه من الحِكَم الباهرة، فإنه يقومُ له مقام اليد في تناول العلَف والماء وإيرادهما (٣) إلى جوفه، ولولا ذلك ما استطاع أن يتناول شيئًا من الأشياء من الأرض؛ لأنه ليست له عنقٌ يمدُّها (٤) كسائر الأنعام، فلمَّا عدم العنقَ أُخلِفَ عليه مكانه الخرطومُ الطَّويلُ ليَسُدَّ مَسَدَّه، وجُعِل قادرًا على سَدْله ورفعه وثَنْيه والتصرُّف به كيف شاء، وجُعِل وعاءً أجوفَ ليِّن الملمس، فهو يتناولُ به حاجتَه ويحمِّلُه ما أراد إلى جوفه، ويحبسُ منه (٥) ما يريد، ويكيدُ به إذا شاء، ويعطي ويتناولُ إذا أراد.

فسَلِ المعطِّل: من الذي عوَّضه وأخلَف عليه مكان العضو الذي مُنِعَه ما يقومُ له مقامه وينوبُ منابه غيرُ الرَّؤوف الرَّحيم بخلقه، المتكفِّل بمصالحهم، اللطيف بهم؟! وكيف يتأتَّى ذلك مع الإهمال وخلوِّ العالَم عن قيِّمه وبارئه ومبدعه وفاطره لا إله إلا هو العزيزُ الحكيم؟!


(١) تتردَّى. وفي (ن): «تربض». (ح): «تورط». والمثبت من (د، ق، ت، ر، ض).
(٢) «الدلائل والاعتبار» (٣١ - ٣٢)، «توحيد المفضل» (٥٨ - ٥٩).
(٣) (ض): «وازدرادهما».
(٤) (ن، ح): «يمد بها».
(٥) (ن، ح): «فيه».