للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا لم يكن من أهل الكرِّ والفرِّ والطَّعن والضَّرب، فقد تلاقت الفحول، وتطاعنت الأقران، وضاق بهم المجالُ في حلبة هذا الميدان.

إذا تلاقى الفحولُ في لَجَبٍ ... فكيف حالُ البعوض في الوَسَطِ (١)

فهذه معاقدُ حجج الطائفتين مُجْتازةٌ ببابك، وإليك تُساق، وهذه بضائعُ تجَّار العلماء ينادى عليها في سوق الكساد، لا في سوق النَّفاق، فمن لم يكن لديه شيءٌ من أسباب البيان والتبصرة، فلا يَعْدَم مَنْ قد استفرغ وُسْعَه وبذل جهدَه منه التصويبَ أو المعذرة، ولا يرضى لنفسه بشرِّ الخُطَّتين، وأبخس الحظَّين: جهلِ الحقِّ وأسبابه، ومعاداةِ أهله وطُلَّابه.

وإذا عَظُمَ المطلوب، وأعْوَزَكَ الرفيقُ الناصحُ العليم، فترحَّل (٢) بهمَّتك من بين الأموات، وعليك بمعلِّم إبراهيم؛ فقد ذكرنا في هذه المسألة من النقول والأدلَّة والنُّكت البديعة ما لعلَّه لا يوجدُ في شيءٍ من كتب المصنِّفين، ولا يعرفُ قدرَه إلا من كان من الفضلاء المُنْصِفين.

ومن الله سبحانه الاستمداد، وعليه التوكُّل وإليه الاستناد، فإنه لا يخيبُ من توكَّل عليه، ولا يضيعُ من لاذَ به وفوَّض أمرَه إليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فصل

ولمَّا أهبط الله آدمَ من الجنة، وعرَّضه وذريتَه لأنواع المحن والبلاء؛


(١) البيت في «الحيوان» (٧/ ٩٠)، و «عيون الأخبار» (٢/ ١٢٨)، و «التمثيل والمحاضرة» (٣٣٣) لبعض المولدين. وفي جميعها: «الفيول وازدحمت».
(٢) (ق، د): «فارحل».