للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه البساتين؟!

ولا ريب أنَّ موسى عليه الصلاةُ والسلام أعلمُ وأجلُّ من أن يلوم آدم على خروجه وإخراج بنيه من بستانٍ هذا شأنه، ولكنْ من قال بهذا؟!

وإنما كانت جنةً لا تلحقُها آفة، ولا تنقطعُ ثمارُها، ولا تغورُ أنهارُها، ولا يجوعُ ساكنُها ولا يظمى، ولا يضحى للشمس ولا يعرى، ولا يمسُّه فيها التعبُ والنصبُ والشقاء، ومثلُ هذه الجنة يَحْسُنُ لومُ الإنسان على التسبُّب في خروجه منها.

قالوا: وأما اعتذارُ آدم - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة لأهل الموقف بأنَّ خطيئتَه هي التي أخرجتهم (١) من الجنة، فلا يَحْسُنُ أن يستفتحَها لهم؛ فهذا لا يستلزمُ أن تكونَ هي بعينها التي أُخرِجَ منها، بل إذا كانت غيرَها كان أبلغَ في الاعتذار؛ فإنه إذا كان الخروجُ من غير جنة الخُلد حصل بسبب الخطيئة، فكيف يليقُ استفتاحُ جنة الخُلد والشفاعةُ فيها وقد خَرَج من غيرها بخطيئة؟!

فهذا موقفُ نظر الفريقين، ونهايةُ أقدام الطائفتين، فمن كان عنده (٢) فضلُ علمٍ في هذه المسألة فَلْيَجُدْ به، فهذا وقتُ الحاجة إليه، ومن عَلِمَ منتهى خطوته، ومقدار بضاعته، فَلْيكِل الأمرَ إلى عالمه، ولا يرضى لنفسه بالتنقُّصِ (٣) والإزراء عليه، وليكن من أهل التُّلول الذين هم نَظَّارةُ الحرب،


(١) كذا في الأصول. وفي (ط): «أخرجته».
(٢) (ق): «له».
(٣) (ق): «بالتنقيص». وفي (ت): «بالنقيص والإزارء بالنقص عليه».