تكونَ الجنةُ التي كاد فيها آدمَ وغرَّه وقاسَمه كاذبًا هي تلك التي أُهبِط منها، بل القرآنُ يدلُّ على أنها غيرها، كما ذكرناه.
فعلى التقديرين، لا تدلُّ الآيةُ على أنَّ الجنةَ التي جرى لآدمَ مع إبليس ما جرى فيها هي جنةُ الخُلد.
قالوا: وأمَّا قولكم: إنَّ بني إسرائيل كانوا بجبال الشَّراة المُشْرِفَة على الأرض التي يهبطون إليها، وهم كانوا يسيرون ويرحلون، فلذلك قيل لهم:{اهْبِطُوا} = فهذا حقٌّ لا ننازعكم فيه، وهو بعينه جوابٌ لنا؛ فإنَّ الهبوطَ يدلُّ على أنَّ تلك الجنةَ كانت أعلى من الأرض التي أُهبِطُوا إليها، وأمَّا كونُها جنةَ الخُلد فلا.
قالوا: والفرقُ بين قوله: {اهْبِطُوا مِصْرًا} وقوله: {اهْبِطُوا مِنْهَا} بأنَّ الأول متضمِّنٌ لنهاية الهبوط وغايته، و {اهْبِطُوا مِنْهَا} متضمِّنٌ لمبدئه وأوله= لا تأثير له فيما نحن فيه؛ فإنَّ «هبَط من كذا إلى كذا» يتضمنُ معنى الانتقال من مكانٍ عالٍ إلى مكانٍ سافل، فأيُّ تأثيرٍ لابتداء الغاية ونهايتها في تعيين محلِّ الهبوط بأنه جنةُ الخُلد؟!
قالوا: وأمَّا قصةُ موسى ولَوْمِه لآدم على إخراجه من الجنة، فلا يدلُّ على أنها جنةُ الخُلد.
وقولُكم:«لا يُظَنُّ بموسى أنه يلومُ آدمَ على إخراجه نفسَه وذريتَه من بستانٍ في الأرض» تشنيعٌ لا يفيد شيئًا؛ أفترى كان ذلك بستانًا مثل آحاد هذه البساتين المقطوعة الممنوعة، التي هي عُرْضةُ الآفات، والتعب والنَّصَب، والظَّمأ والضُّحِيِّ (١)، والسَّقي والتلقيح، وسائر وجوه النَّصَب الذي يلحقُ