الجنة، لا كلُّ ما يسمَّى أرضًا. وكان مستقرُّهم الأولُ في أرض الجنة، ثم صاروا في أرض الابتلاء والامتحان، ثم يصيرُ مستقرُّ المؤمنين يوم الجزاء أرضَ الجنة أيضًا؛ فلا تدلُّ الآيةُ على أنَّ جنةَ آدم هي جنةُ الخُلد.
قالوا: وهذا هو الجوابُ بعينه عن استدلالكم بقوله تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}؛ فإنَّ المرادَ به الأرض التي أُهبِطُوا إليها وجُعِلَت مسكنًا لهم بدلَ الجنة، وهذا تفسيرُ المستقَرِّ المذكور في «البقرة» مع تضمُّنه ذِكْرَ (١) الإخراج منها.
قالوا: وأما قولُه تعالى لإبليس: {فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا}، وقولُكم: إنَّ هذا إنما هو في الجنة التي في السماء، وإلا فجنةُ الأرض لم يُمْنَع إبليسُ من التكبُّر فيها= فهو دليلٌ لنا في المسألة؛ فإنَّ جنةَ الخُلد لا سبيل لإبليس إلى دخولها والتكبُّر فيها أصلًا، وقد أخبر تعالى أنه وسوسَ لآدمَ وزوجه، وكَذَبهما، وغرَّهما، وخانهما، وتكبَّر عليهما، وحسدهما، وهما حينئذٍ في الجنة، فدلَّ على أنها لم تكن جنةَ الخُلد، ومحالٌ أن يصعدَ إليها بعد إهباطه وإخراجه منها.
قالوا: والضمير في قوله: {فَاهْبِطْ مِنْهَا} إمَّا أن يكون عائدًا إلى السماء، كما هو أحدُ القولين، وعلى هذا فيكونُ سبحانه قد أهبطه من السماء عقب امتناعه من السجود، وأخبر أنه ليس له أن يتكبَّر فيها، ثمَّ تكبَّر وكذب وخان في الجنة؛ فدلَّ على أنها ليست في السماء.
أو يكونَ عائدًا إلى الجنة، على القول الآخر، ولا يلزمُ من هذا القول أن