للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو كانت كلُّها بحالٍ واحدةٍ لاختلط نظامُها، ولبطلت الحِكَمُ والفوائدُ والدَّلالاتُ التي في اختلافها، ولتشبَّث المعطِّلُ بذلك وقال: لو كان فاعلُها ومبدعُها مختارًا لم تكن على وجهٍ واحدٍ وأمرٍ واحدٍ وقَدْرٍ واحد.

فهذا التَّرتيبُ والنظامُ الذي هي عليه من أدلِّ الدَّلائل على وجود الخالق (١) وقدرته وإرادته وعلمه وحكمته ووحدانيَّته.

فصل (٢)

ثمَّ تأمَّل هذا الفَلَكَ الدوَّار بشمسه وقمره ونجومه وبُروجه، وكيف يدورُ على هذا العالم هذا الدَّورانَ الدَّائمَ إلى آخر الأجل على هذا التَّرتيب والنظام (٣)، وما في طَيِّ ذلك من اختلاف الليل والنَّهار والفصول والحرِّ والبرد، وما في ضِمن ذلك من مصالح ما على الأرض من أصناف الحيوان والنَّبات.

وهل يخفى على ذي بصيرةٍ أنَّ هذا إبداعُ المبدع الحكيم، وتقديرُ العزيز العليم؟!

ولهذا خاطبَ الرُّسلُ أممَهم مخاطبةَ من لا شكَّ عنده في الله، وإنما دَعَوهم إلى عبادته وحده، لا إلى الإقرار به؛ فقالت لهم: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: ١٠].

فوجودُه سبحانه وربوبيَّته وقدرتُه أظهرُ من كلِّ شيءٍ على الإطلاق، فهو أظهرُ للبصائر من الشمس للأبصار، وأبينُ للعقول من كلِّ ما تَعْقِلُه وتقِرُّ


(١) (ق): «خالقها».
(٢) «الدلائل والاعتبار» (٩)، «توحيد المفضل» (٨٦).
(٣) (ت): «الترتيب والنمط والنظام».