للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحنجرةٍ واحدة (١).

والحكمةُ البالغةُ في ذلك أنَّ النَّاس يحتاجون إلى أن يتعارفوا بأعيانهم وحِلاهم (٢)؛ لما يجري بينهم من المعاملات، فلولا الفرقُ والاختلافُ في الصُّوَر لفسدت أحوالهم، وتشتَّت نظامُهم، ولم يُعرَف الشاهدُ من المشهود عليه، ولا المَدِينُ من ربِّ الدَّين، ولا البائعُ من المشتري، ولا كان الرَّجلُ يعرفُ عِرْسَه (٣) من غيرها عند الاختلاط (٤)، ولا هي تعرفُ بعلَها من غيره. وفي ذلك أعظمُ الفساد والخلل.

فمن الذي ميَّز بين حِلاهم وصُوَرهم وخلقهم (٥) وأصواتهم، وفرَّق بينها بفروقٍ لا تنالها العبارةُ ولا يدركُها الوصف؟!

فسَل المعطِّل: أهذا فعلُ الطَّبيعة؟! وهل في الطَّبيعة اقتضاءُ هذا الاختلاف والافتراق (٦) في النَّوع؟!

وأين قولُ الطَّبائعيِّين: إنَّ فعلها متشابهٌ لأنها واحدةٌ في نفسها، لا تفعلُ بإرادةٍ ولا مشيئة، فلا يمكنُ اختلافُ أفعالها؟! فكيف يجمعُ المعطِّل بين هذا وهذا؟! {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦].


(١) انظر: «الطرق الحكمية» (٦٠٣).
(٢) خِلقتهم وصُوَرُهم. جمع «حِلية». «اللسان» (حلا).
(٣) العِرْس: الزوج، يقال: هو عِرْسُها، وهي عِرْسُه. «اللسان» (عرس).
(٤) (ح، ن): «للاختلاط».
(٥) ليست في (ح، ن).
(٦) (ت): «والاقتران».