للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا عُلِمَ ذلك، فتناولُ هذه الخبائث في حال الاختيار يوجبُ حصول الأثر المطلوب عَدَمُه، فإذا كان المتناولُ لها مضطرًّا فإنَّ ضرورته تمنعُ قبول الخبث الذي في المُغْتَذى به، فلم تحصُل تلك المفسدة؛ لأنها مشروطةٌ بالاختيار الذي به يقبلُ المحلُّ خبثَ التَّغذية، فإذا زال الاختيارُ زال شرطُ القبول، فلم تحصُل المفسدةُ أصلًا.

وإن اعتاصَ هذا على فهمك فانظُر في الأغذية والأشربة الضارَّة التي لا يتخلَّفُ عنها الضررُ إذا تناولها المختارُ الواجدُ لغيرها، فإذا اشتدَّت ضرورتُه إليها ولم يجد منها بُدًّا فإنها تنفعُه ولا يتولَّدُ له منها ضررٌ أصلًا؛ لأنَّ قبول طبيعته وفاقتها إليها وميلها إليها منعَها من التضرُّر بها، بخلاف (١) حال الاختيار.

وأمثلةُ ذلك معلومةٌ مشهودةٌ بالحِسِّ، فإذا كان هذا في الأوصاف الحسِّية المؤثِّرة في محالِّها بالحِسِّ، فما الظَّنُّ بالأوصاف المعنوية التي تأثيرُها إنما يُعْلَمُ بالعقل أو بالشرع؟!

فلا تظنَّ (٢) أنَّ الضرورة أزالت وصفَ المحلِّ وبدَّلتْه، فإنَّا لم نقُل هذا، ولا يقوله عاقل، وإنما الضرورةُ منعت تأثيرَ الوصف وأبطلته، فهي من باب المانع الذي يمنعُ تأثيرَ المقتضي، لا أنه يُزِيلُ قوَّته، ألا ترى أنَّ السَّيفَ الحادَّ إذا صادفَ حجرًا فإنه يمنعُ قطعَه وتأثيرَه، لا أنه يُزِيلُ حِدَّته وتهيُّؤه لقَطْع القابل؟!


(١) (ت): «من الضرر بلا خلاف».
(٢) (ت): «ولا يظن».