للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن يسوغُ أن يقال: هو وكيلٌ بذلك؛ كما قال تعالى: {وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا}.

والمقصودُ أنَّ هذا التوكيلَ خاصٌّ بمن قام بها علمًا وعملًا، وجهادًا لأعدائها، وذبًّا عنها، ونفيًا لتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

وأيضًا؛ فهو توكيلُ رحمةٍ وإحسانٍ وتوفيقٍ واختصاص، لا توكيل حاجةٍ كما يوكِّلُ الرجلُ من يتصرَّفُ عنه في غيبته لحاجته إليه.

ولهذا قال بعض السَّلف: {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا} يقول: «رزقناها قومًا» (١)؛ فلهذا لا يقالُ لمن رُزِقَها (٢) ورُحِمَ بها: إنه «وكيلُ الله».

وهذا بخلاف اشتقاق «وليِّ الله» من الموالاة؛ فإنها المحبةُ والقُرب، فكما يقال: عبد الله وحبيبُه، يقال: وليُّه، والله تعالى يوالي عبدَه إحسانًا إليه وجبرًا له ورحمة، بخلاف المخلوق فإنه يوالي المخلوقَ لتعزُّزه به وتكثُّره بموالاته؛ لذلِّ العبد وحاجته، وأمَّا العزيزُ الغنيُّ ــ سبحانه ــ فلا يوالي أحدًا من ذلٍّ ولا من حاجة.

قال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: ١١١]، فلم يَنْفِ الوليَّ نفيًا عامًّا مطلقًا، بل نفى أن يكون له وليٌّ من الذُّل، وأثبتَ في موضعٍ آخر أنَّ له أولياء، بقوله: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: ٦٢]، وقوله: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ٢٥٧]، فهذه موالاةُ رحمةٍ


(١) قاله أبو عبيدة في «مجاز القرآن» (١/ ٢٠٠).
(٢) (ح، ن): «رزق بها».