للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطيعين يَجِدُون في أنفسهم من الفرح والسُّرور والنشاط وقوة العزيمة ما يكون مُوجِبًا لهم المزيدَ من القيام بحقِّ العبودية، والمزيدَ من كرامة سيِّدهم ومالكهم. وهذا أمرٌ يشهدُ به الحِسُّ والعِيان.

وأمَّا توكيلُهم بها، فهو يتضمَّنُ توفيقَهم للإيمان بها والقيام بحقوقها ومراعاتها والذبِّ عنها والنصيحة لها، كما يوكِّل الرجلُ غيرَه بالشيء ليقوم به ويتعهَّده ويحافظ عليه. و {بِهَا} الأولى متعلِّقةٌ بـ {وَكَّلْنَا}، و {بِهَا} الثانية متعلِّقةٌ بـ {بِكَافِرِينَ}، والباءُ في {بِكَافِرِينَ} لتأكيد النفي.

فإن قلت: فهل يصحُّ أن يقال لأحد هؤلاء الموكَّلين: إنه «وكيلُ الله» بهذا المعنى، كما يقال: «وليُّ الله»؟

قلت: لا يلزمُ من إطلاق فعل التوكيل (١) المقيَّد بأمرٍ ما أن يُصاغ منه اسمُ فاعلٍ مطلق، كما أنه لا يلزمُ من إطلاق فعل الاستخلاف المقيَّد أن يقال: «خليفة»، كقوله: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} [الأعراف: ١٢٩]، وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: ٥٥]، فلا يُوجِبُ هذا الاستخلافُ (٢) أن يقال لكلِّ منهم: إنه «خليفةُ الله»؛ لأنه استخلافٌ مقيَّد.

ولمَّا قيل للصدِّيق: يا خليفةَ الله، قال: «لستُ بخليفةٍ لله، ولكنِّي خليفةُ رسول الله، وحسبي ذلك» (٣).


(١) (ح، ن): «التوكل».
(٢) (ت): «الاستخلاف المقيد».
(٣) تقدم تخريجه (ص: ٤٢٩).