للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سابحةً فيه، وإنما يُقْطَعُ هذا العارضُ بفكرةٍ صحيحةٍ وعزمٍ صادقٍ يميَّزُ به (١) بين الوهم والحقيقة.

وكذلك إذا فكَّر في عواقب الأمور وتجاوزَ فكرُه مَبَاديها؛ وَضَعها (٢) مواضعَها، وعلم مراتبَها.

فإذا وردَ عليه واردُ الذنب والشهوة، فتجاوزَ فكرُه لذَّتَه (٣) وفرحَ النفس به إلى سوء عاقبته وما يترتبُ عليه من الألم والحزن الذي لا يقاومُ تلك اللذَّة والفرحة؛ ومن فكَّر في ذلك فإنه لا يكادُ يُقْدِمُ عليه.

وكذلك إذا وردَ على قلبه واردُ الراحة والدَّعة والكسل والتقاعُد عن مشقَّة الطَّاعات وتعبها، حتى عبَر بفكره إلى ما يترتبُ عليها من اللذات والخيرات والأفراح التي تنغمرُ (٤) تلك الآلام التي في مَبَاديها بالنسبة إلى كمال عواقبها، وكلَّما غاص فكرُه في ذلك اشتدَّ طلبُه لها، وسَهُل عليه معاناتُها، واستقبلها بنشاطٍ وقوَّةٍ وعزيمة.

وكذلك إذا فكَّر في منتهى ما يستعبِدُه من المال والجاه والصُّوَر، ونظرَ إلى غاية ذلك بعين فكره، استحيى من عقله ونفسه أن يكون عبدًا لذلك، كما قيل:

لو فَكَّرَ العاشقُ في منتهى ... حُسْنِ الذي يَسْبِيه لم يَسْبِهِ (٥)


(١) (د، ق): «فيه».
(٢) (ت): «ووضعها».
(٣) (ق، د): «فكرة لذته». وهو تحريف.
(٤) (ح، ن): «تغمر».
(٥) البيت للمتنبي، في ديوانه (٥٧٣).