للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن كلام الشافعي: «استعينوا على الكلام بالصمت، وعلى الاستنباط بالفكرة» (١).

وهذا (٢) لأنَّ الفكر عملُ القلب، والعبادةَ عملُ الجوارح، والقلبُ أشرفُ من الجوارح؛ فكان عملُه أشرفَ من عمل الجوارح.

وأيضًا؛ فالتفكُّرُ يُوقِعُ صاحبَه من الإيمان على ما لا يُوقِعُه عليه (٣) العملُ المجرَّد؛ فإنَّ التفكُّرَ يوجبُ له من انكشاف حقائق الأمور وظهورها له، وتمييزها (٤) في الخير والشر، ومعرفة مفضولها من فاضلها وأقبحها من قبيحها، ومعرفة أسبابها الموصلة إليها، وما يقاومُ تلك الأسبابَ ويدفعُ مُوجَبَها، والتمييز بين ما ينبغي السعيُ في تحصيله وما ينبغي السعيُ في دفع أسبابه، والفرق بين الوهم والخيال المانع لأكثر النفوس من انتهاز الفُرص بعد إمكانها وبين السبب المانع حقيقةً (٥) فيشتغلُ به دون الأول، فما قطعَ العبدَ عن كماله وفلاحه وسعادته العاجلة والآجلة قاطعٌ أعظمُ من الوهم الغالب على النفس والخيال الذي هو مَرْكبُها، بل بَحْرُها الذي لا تنفكُّ


(١) «الإحياء» (٤/ ٤٢٥)، و «صفة الصفوة» (٢/ ٢٥٣). ونسبه الجاحظ في «البيان والتبين» (١/ ٣٢٧) إلى قسامة بن زهير.
(٢) أي: كون تفكر ساعةٍ خيرًا من عبادة ستين سنة. وهو الوجه الثالث والخمسون بعد المئة من أوجه تفضيل العلم وأهله.
(٣) (د، ت، ق): «ما لا يوقع».
(٤) (ن، ح): «وتميز مراتبها».
(٥) (ت، ح، ن): «حقيقته».