للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رزقه ويعملون فيه، والأفلاكُ مسخَّرةٌ منقادةٌ دائرةٌ بما فيه مصالحُه، والشمسُ والقمرُ والنُّجومُ مسخَّراتٌ جارياتٌ بحساب أزمنته وأوقاته، وإصلاح رواتب أقواته، والعالمُ الجويُّ مسخَّرٌ له برياحه وهوائه، وسحابه وطيره، وما أُودِع فيه، والعالمُ السُّفليُّ كلُّه مسخَّرٌ له مخلوقٌ لمصالحه؛ أرضُه وجبالُه، وبحارُه وأنهارُه، وأشجارُه وثمارُه، ونباتُه وحيوانُه، وكلُّ ما فيه.

كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: ١٢ - ١٣]، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (٣٣) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: ٣٢ - ٣٤].

فالسَّائرُ (١) في معرفة آلاء الله وتأمُّل حكمته وبديع صَنْعته (٢) أطولُ باعًا وأملأُ صُواعًا من اللصيق بمكانه، المقيم في بلد عادته وطبعه، راضيًا بعَيْش بني جنسه، لا يأنفُ لنفسه أن يكون واحدًا منهم، يقول: لي أسوةٌ بهم،

* وهل أنا إلا مِنْ ربيعة أو مُضَر (٣) *


(١) (ن، ق): «فالسير». وفي (ت): «فالستر».
(٢) (ت): «صفته». وفي (ن): «صفاته».
(٣) عجز بيتٍ للبيد بن ربيعة، في ديوانه (٢١٣)، من أبياتٍ قالها لما حضرته الوفاة، يخاطب ابنتيه. وصدرُه:
* تمنَّى ابنتاي أن يعيش أبوهما *