للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفلا ترى الصَّنعةَ الإلهيَّة كيف سَلَبت وجوهَ الخطأ (١) والمضرَّة، وجاءت بكلِّ صوابٍ وكلِّ منفعةٍ وكلِّ مصلحة؟!

ولمَّا اجتهدَ الطَّاعنون في الحكمة (٢)، العائبون للخِلقة، فيما يطعنون به، عابوا الشَّعرَ تحتَ الآباط، وشعرَ العانة، وشعرَ باطن الأنف، وشعرَ الرُّكبتين، وقالوا: أيُّ حكمةٍ فيها؟! وأيُّ فائدة؟!

وهذا مِنْ فَرط جهلهم وسخافة عقولِهم؛ فإنَّ الحكمة لا يجبُ أن تكون بأسرها معلومةً للبشر، ولا أكثرِها، بل لا نسبة لما عَلِمُوه إلى ما جهلوه منها، فلو قِيسَت علومُ الخلائق كلِّهم بوجوه حكمة الله تعالى في خلقه وأمره إلى ما خفي عنهم منها كانت كنقرة عصفورٍ في البحر. وحسبُ الفَطِن اللبيب أن يستدلَّ بما عَرَف منها على ما لم يعرف، ويعلم [أنَّ] (٣) الحكمة فيما جهله مثلُها (٤) فيما عَلِمَه، بل أعظمُ وأدقُّ وألطف (٥).

وما مثلُ هؤلاء الحمقى النَّوكى إلا كمثل رجلٍ لا علمَ له بدقائق الصَّنائع والعلوم، من البناء والهندسة والطبِّ، بل والحياكة والخياطة والنجارة؛ إذا رام الاعتراض بعقله الفاسد على أربابها في شيءٍ من آلاتهم وصنائعهم وترتيب صناعاتهم، فخَفِيَت عليه (٦)، فجعل كلَّما خَفِيَ عليه منها


(١) (ض): «تتحرز وجوه الخطأ».
(٢) وهم المنانية (المانوية) وأشباههم، كما في (ر، ض).
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) (ح، ن): «منها». وهو تحريف.
(٥) ليست في (ح، ن).
(٦) كذا في الأصول.