للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وزادت البَراهِمَةُ (١) على التَّناسُخية بأن قالوا: نحن لا نحتاجُ إلى شريعةٍ وشارعٍ أصلًا؛ فإنَّ ما يأمرُ به النَّبيُّ لا يخلو إمَّا أن يكون معقولًا أو غيرَ معقول، فإن كان معقولًا فقد استُغْنِي بالعقل عن النَّبيِّ، وإن لم يكن معقولًا لم يكن مقبولًا (٢).

فهذه الطَّوائفُ كلُّها لما جعلت في العقل حاكمًا بالحُسْن والقُبح أدَّاها إلى هذه الآراء الباطلة والنِّحَل الكافرة، وأنتم يا معاشِرَ المُثْبِتة (٣) يصعُب عليكم الرَّدُّ عليهم وقد وافقتموهم على هذا الأصل، وأمَّا نحنُ فأخَذنا عليهم رأسَ الطَّريق، وسَدَدنا عليهم الأبواب، فمَن طرَّق لهم الطَّريق، وفتح لهم الأبواب، ثمَّ رام مُناجَزة القوم، فقد رام مرتقًى صعبًا.

فهذه مَجامعُ جيوش النُّفاة قد وافَتك بعَدَدها وعُدَدها، وأقبلَت إليك بحَدِّها وحَدِيدها، فإن كنتَ من أبناء الطَّعن والضَّرب فقد التقى الزَّحفان، وتقابَل الصَّفَّان، وإن كنتَ من أصحاب التُّلول (٤) فالزَم مقامَك، ولا تَدْنُ من الوطيس فإنه قد حَمِي، وإن كنتَ من أهل الأسراب (٥) الذين يسألونَ عن الأنباء ولا يثبُتون عند اللقاء:


(١) نسبةً إلى رجلٍ منهم اسمه «براهم»، يقرُّون بالله، ويجحدون الرسل. وهم طوائفُ ثلاث. انظر: «الملل والنحل» (٢/ ٢٥٠ - ٢٥٥).
(٢) «نهاية الأقدام» (٣٧٥ - ٣٧٨).
(٣) مثبتة الحُسن والقُبح العقليين.
(٤) أي: من حظُّه من المعركة الجلوسُ على التلول للنظر إليها فحسب، فهم نظَّارةُ الحرب، كما قال المصنف فيما مضى (ص: ٨٦). والتلُّ: ما ارتفع من الأرض عما حوله، وهو دون الجبل.
(٥) جمع: سَرَب، وهو الجُحر والنَّفق. «اللسان» (سرب).