للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهدى الله أهل السنَّة الوَسَطَ لما اختلفوا فيه من الحقِّ بإذنه، فأثبتوا لله عزَّ وجلَّ عموم القدرة والمشيئة، وأنه تعالى (١) أن يكون في ملكه ما لا يشاء، أو يشاء ما لا يكون، وأنَّ أهل سمواته وأرضه أعجزُ وأضعفُ مِنْ أن يخلقوا ما لا يخلقُه الله أو يُحْدِثوا ما لا يشاؤه (٢)، بل ما شاء الله كان ووَجَبَ وجودُه بمشيئته، وما لم يشأ لم يكن وامتنَع وجودُه لعدم مشيئته له (٣)، وأنه لا حول ولا قوَّة إلا به، ولا تتحرَّك في العالم العُلويِّ والسُّفليِّ ذرَّةٌ إلا بإذنه.

ومع ذلك فله في كلِّ ما خلق وقضى وقدَّر وشرع من الحِكَم البالغة والعواقب الحميدة ما اقتضاه كمالُ حكمته وعلمه، وهو العليمُ الحكيم؛ فما خلق شيئًا ولا قضاه ولا شرعَه إلا لحكمةٍ بالغة، وإن تقاصَرَت عنها عقولُ البشر، فهو الحكيمُ القدير، فلا تُجْحَدُ حكمتُه كما لا تُجْحَدُ قدرتُه.

والطَّائفة الأولى جَحَدت الحكمة، والثَّانية جَحَدت القدرة، والأمَّةُ الوسطُ أثبتت له كمال الحكمة وكمال القدرة.

فالفرقةُ الأولى تشهدُ في المعصية مجرَّدَ المشيئة والخَلق العاري عن الحكمة، وربَّما شَهِدَت الجَبْرَ وأنَّ حركاتهم بمنزلة حركات الأشجار ونحوها.

والفرقةُ الثَّانية تشهدُ في المعصية مجرَّدَ كونها فاعلةً محدِثةً مختارةً هي التي شاءت ذلك بدون مشيئة الله.


(١) (ح): «وأنه يتعالى».
(٢) (ح): «ما لا يشاء». (ق): «ما لم يشأ». (د): «ما لم يشاءه».
(٣) (ح): «لعدم المشيئة له».