للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هم بالوصية، كما للورثة أن يُبطِلوا وصية الوارث، أو يُبطِلوا ما زاد على ثلث الثُّلث ويختصُّوا هم بثلثيه، كما للورثة أن يُبطِلوا ما زاد على ثلث المال من الوصية، ويكون الثُّلثُ في حقِّهم بمنزلة المال كلِّه في حقِّ الورثة؟ على وجهين (١).

وهذا الثَّاني (٢) أقْيسُ وأفقَه، وسرُّه أنَّ الثُّلثَ لما صار مستحقًّا لهم كان بمنزلة جميع المال في حقِّ الورثة، وهم لا يكونون أقوى من الورثة، فكما لا سبيل للورثة إلى إبطال الوصية بالثُّلث للأجانب، فلا سبيل لهؤلاء إلى إبطال الوصية بثلث الثُّلث للأجانب.

وتحقيقُ هذه المسائل والكلام على مآخذها له موضعٌ آخر.

والمقصودُ هنا أنَّ إيجابَ الوصية للأقارب وإن نُسِخ لم يبطُل بالكلِّية، بل بقي منه ما هو مَنْشَأ المصلحة ــ كما ذكرناه ــ، ونُسِخ منه ما لا مصلحة فيه، بل المصلحةُ في خلافه.

* ومن ذلك: نسخُ الاعتداد في الوفاة بحولٍ بالاعتداد بأربعة أشهرٍ وعشر، على المشهور من القولين في ذلك، فلم تبطُل العِدَّة الأولى جملةً.

* ومن ذلك: حبسُ الزَّانية في البيت حتى تموت؛ فإنه على أحد القولين لا نسخَ فيه؛ لأنه مُغَيًّا بالموت أو يجعل الله لهنَّ سبيلًا (٣)، وقد جعل الله لهنَّ سبيلًا بالحدِّ، وعلى القول الآخر هو منسوخٌ بالحدِّ، وهو عقوبةٌ من


(١) انظر: «التمهيد» (١٤/ ٣٠٠)، و «المغني» (٨/ ٣٩٥).
(٢) أي القول بإبطال ما زاد على ثلث الثلث، واختصاص الأقارب بالثلثين.
(٣) انظر: «معالم السنن» (٣/ ٣١٦)، و «أحكام القرآن» (٣٥٤)، و «الناسخ والمنسوخ» (٢/ ١٥١) لابن العربي.