للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأمَّل هذه الحكمة البالغة والنعمة السَّابغة؛ فإنه لما اقتضت المصلحةُ أن تكون خمسين، تكميلًا للثَّواب وسَوْقًا لهم بها إلى أعلى المنازل، واقتضت أيضًا أن تكون خمسًا؛ لعجز الأمَّة وضعفهم وعدم احتمالهم الخمسين= جعلها خمسًا من وجهٍ وخمسين من وجه؛ جمعًا بين المصالح وتكميلًا لها.

ولو لم تطَّلع (١) من حكمته في شرعه وأمره ولطفه بعباده ومراعاة مصالحهم وتحصيلها لهم على أتمِّ الوجوه إلا على هذه الثَّلاثة وحدها لكفى بها دليلًا على ما وراءها.

فسُبحان من له في كلِّ ما خلق وأمر حكمةٌ بالغةٌ شاهدةٌ (٢) له بأنه أحكمُ الحاكمين وأرحمُ الراحمين، وأنه الله الذي لا إله إلا هو ربُّ العالمين.

* ومن ذلك: الوصيةُ للوالدين والأقربين؛ فإنها كانت واجبةً على من حضره الموتُ، ثمَّ نسخ الله ذلك بآية المواريث، وبقيت مشروعةً في حقِّ الأقارب الذين لا يَرِثون. وهل ذلك على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ فيه قولان للسَّلف والخلف، وهما في مذهب أحمد (٣).

فعلى القول الأوَّل بالاستحباب، إذا أوصى للأجانب دونهم صحَّت الوصية، ولا شيء للأقارب.

وعلى القول بالوجوب فهل لهم أن يُبطِلوا وصية الأجانب ويختصُّوا (٤)


(١) (ط): «نطلع».
(٢) (ت): «حكمة شاهدة».
(٣) انظر: «المغني» (٨/ ٣٩٠)، و «الإنصاف» (٧/ ١٤٣).
(٤) (ق): «ويختصون». في الموضعين.