للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ تأمَّل تسخيرَها منقادةً بأمر ربها تبارك وتعالى، جاريةً على سَنَنٍ واحدٍ اقتضتهُ حكمتُه وعلمُه، لا تخرُج عنه؛ فجعَل منها البروجَ والمنازل، والثَّوابتَ والسيَّارة، والكبارَ والصِّغارَ والمتوسِّط، والأبيض الأزهرَ والأبيض الأحمر، ومنها ما يخفى على النَّاظر فلا يدركه.

وجعَل منطقةَ البروج قسمين: مرتفعةً ومنخفضة، وقدَّر سيرَها تقديرًا واحدًا، ونزَّل الشمسَ والقمرَ والسيَّارات منها منازلها؛ فمنها ما يقطعُها في شهرٍ واحدٍ ــ وهو القمر ــ، ومنها ما يقطعُها في عام (١)، ومنها ما يقطعُها في عدَّة أعوام، كلُّ ذلك مُوجَبُ الحكمة والعناية.

وجعَل ذلك أسبابًا لِمَا يُحْدِثُه سبحانه في هذا العالم، فيستدلُّ بها النَّاسُ على تلك الحوادث التي تقارنها؛ لمعرفتهم بما يكونُ مع طلوع الثُّريَّا إذا طلعَت، وغروبها إذا سَقَطَت من الحوادث التي تقارنها، وكذلك غيرُها من المنازل والسيَّارات.

ثمَّ تأمَّل جَعْلَه سبحانه بناتِ نَعْشٍ وما قَرُبَ منها ظاهرةً لا تغيب؛ لقُربها من المركز، ولما في ذلك من الحكمة الإلهيَّة، وأنها بمنزلة الأعلام التي يهتدي بها النَّاسُ في الطُّرق المجهولة في البرِّ والبحر، فهم ينظرون إليها وإلى الجدي والفَرقدين (٢) كلَّ وقتٍ أرادوا من الليل (٣)، فيهتدون بها حيث شاؤوا.


(١) من قوله: «وهو القمر» إلى هنا، ساقطٌ من (ت).
(٢) «الثريا» و «بنات نعش» و «الجدي» و «الفرقدان» كواكبُ معروفة.
(٣) «من الليل» ليست في (ح، ن).