للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان إسكانُ آدمَ وذريته هذه الدارَ التي ينالون فيها الأسبابَ الموصلةَ إلى أعلى المقامات من تمام إنعامه عليهم.

* وسِرُّها أيضًا: أنه سبحانه جعل الرسالةَ والنبوة، والخُلَّةَ والتكليم، والولايةَ والعبودية، من أشرف مقامات (١) خلقِه ونهاياتِ كمالهم؛ فأنزلهم دارًا أخرجَ منهم الأنبياء، وبعث فيها الرسل، واتَّخذ منهم من اتَّخذ خليلًا، وكلَّم موسى تكليمًا، واتَّخذ منهم أولياءَ وشهداء، وعبيدًا وخاصَّة، يحبُّهم ويحبُّونه، وكان إنزالُهم إلى الأرض من تمام الإنعام والإحسان.

* وسِرُّها أيضًا: أنه أظهَر لخلقه من آثار أسمائه وصفاته وجَرَيان أحكامها عليهم ما اقتضته حكمتُه ورحمتُه وعلمُه.

* وسِرُّها أيضًا: أنه تعرَّف إلى خلقه بأفعاله وأسمائه وصفاته، وما أحدَثه في أوليائه وأعدائه، مِن كرامته وإنعامه على الأولياء، وإهانته وإشقائه (٢) للأعداء، ومِن إجابته دعواتهم، وقضائه حوائجَهم، وتفريج كرباتهم، وكشفِ بلائهم، وتصريفهم تحت أقداره كيف يشاء، وتقليبهم في أنواع الخير والشر؛ فكان في ذلك أعظم دليلٍ لهم على أنه ربُّهم ومليكُهم، وأنه الله الذي لا إله إلا هو، وأنه العليمُ الحكيم، السميع البصير، وأنه الإلهُ الحقُّ وكلُّ ما سواه باطل.

فتظاهرت أدلةُ ربوبيته وتوحيده في الأرض، وتنوَّعت، وقامت من كلِّ جانب؛ فعرفَه الموفَّقون من عباده، وأقرُّوا بتوحيده إيمانًا وإذعانًا، وجحدَه


(١) (ح، ن): "أشرف مقامات". بدون "من".
(٢) (د، ق، ت): "وانتقامه".