للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخذولون من خليقته، وأشركوا به ظلمًا وكفرانًا، فهلكَ من هلكَ عن بينةٍ وحيَّ من حيَّ عن بينة، والله سميعٌ عليم.

ومن تأمَّل آياته المشهودة والمسموعة في الأرض، ورأى آثارَها، عَلِمَ تمامَ حكمته في إسكانِ آدمَ وذريته في هذه الدار إلى أجلٍ معلوم؛ فالله سبحانه إنما خلقَ الجنة لآدمَ وذريته، وجعل الملائكةَ فيها خَدَمًا لهم، ولكن اقتضت حكمتُه أنْ خلقَ لهم دارًا يتزوَّدون منها إلى الدار التي خُلِقَت لهم، وأنهم لا ينالونها إلا بالزَّاد، كما قال تعالى في هذه الدار: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: ٧]، فهذا شأنُ الانتقال في الدنيا من بلدٍ إلى بلد، فكيف الانتقالُ من الدنيا إلى دار القرار؟! وقال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧].

فباع المغبونون منازلَهم منها بأبخس الحظِّ وأنقص الثمن، وباع الموفَّقون نفوسَهم وأموالهم من الله، وجعلوها ثمنًا للجنة؛ فربحت تجارتُهم، ونالوا الفوز العظيم، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١].

فهو سبحانه ما أخرجَ آدمَ منها إلا وهو يريدُ أن يعيدَه إليها أكملَ إعادة (١)، كما قيل على لسان القدر (٢):

يا آدم! لا تجزَع من قولي لك: اخرُج


(١) (ت): "يعيده إليها فلذلك خلقها ليعيده إليها على أكمل إعادة".
(٢) أي: لسان الحال. كما عبَّر به المصنف في "مدارج السالكين" (١/ ٣٢٦).
وانظر: "بدائع الفوائد" (١١٩٨)، و"الفوائد" (٥١)، و"عدة الصابرين" (١٠٩)، وما سيأتي من الكتاب (ص: ٨٣٠).

وهو أسلوبٌ معروفٌ في تصوير المعاني، واستعمال العلماء له لا يكادُ يأتي عليه الحصر. انظر: درء التعارض (١٠/ ٢٠٠)، ومجموع الفتاوى (١٢/ ٤٠٥).