للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لضعفٍ (١) في عقولها وعدم اكتفائها بآثار شريعة الرسول السَّابق.

فلما انتهت النَّوبةُ (٢) إلى محمَّد بن عبد الله رسول الله ونبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، فأرسله إلى أكمل الأمم عقولًا ومعارف، وأصحِّها أذهانًا، وأغزرها علومًا، وبعثَه بأكمل شريعةٍ ظهرت في الأرض منذ قامت الدُّنيا إلى حين مَبْعثه، فأغنى الله الأمَّة بكمال رسولها، وكمال شريعته، وكمال عقولها، وصحَّة أذهانها، عن رسولٍ يأتي بعده، وأقام له من أمَّته ورثةً يحفظون شريعتَه، ووكَّلهم بها حتى يؤدُّوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم؛ فلم يحتاجوا معه إلى رسولٍ آخر ولا نبيٍّ ولا محدَّث.

ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنه قد كان قبلكم في الأمم محدَّثون (٣)، فإن يكن في أمَّتي أحدٌ فعُمَر» (٤)، فجزم بوجود المحدَّثين في الأمم، وعلَّق وجودَه في أمَّته بحرف الشرط؛ وليس هذا بنقصانٍ لأمَّته عمَّن قبلهم، بل هذا من كمال أمَّته على من قبلها، فإنها لكمالها وكمال نبيِّها وكمال شريعته لا تحتاجُ إلى محدَّث، بل إن وُجِدَ فهو صالحٌ للمتابعة والاستشهاد، لا أنه عمدة؛ لأنها في غنيةٍ بما بعثَ الله به نبيَّها عن كلِّ منامٍ أو مكاشفةٍ أو إلهامٍ أو تحديث، وأمَّا من قبلها فلحاجتهم إلى ذلك (٥) جُعِل فيهم المحدَّثون (٦).


(١) (د، ق، ت): «لضعفها».
(٢) (ن): «النبوة». تحريف.
(٣) أي: مُلْهَمون. فسَّره بهذا عبد الله بن وهب في رواية مسلم.
(٤) أخرجه البخاري (٣٤٦٩)، ومسلم (٢٣٩٨).
(٥) (ن، ح): «فللحاجة إلى ذلك».
(٦) انظر: «الصفدية» (١/ ٢٥٩)، و «الأصفهانية» (١٥٩)، و «الجواب الصحيح» (٢/ ٣٨٣)، و «مجموع الفتاوى» (١٧/ ٤٦)، و «مدارج السالكين» (١/ ٣٩).