للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصلحة لهم سواه، وشَوَّق (١) بذلك النُّفوسَ إلى الشهادة له بالحُسْن والكمال والحكمة التَّامَّة.

فلما قرَّر ذلك كلَّه أعلمهم بما سيقول السُّفهاءُ من النَّاس إذا تركوا قبلَتهم لئلَّا يَفْجَأهم مِنْ غير علمٍ به فيعظُم موقعُه عندهم، فلمَّا وقع لم يَهُلْهُم، ولم يصعُب عليهم، بل أخبر أنَّ له المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

ثمَّ أخبر أنه كما جعلهم أمَّةً وسطًا خيارًا اختار لهم أوسط جهات الاستقبال وخيرَها، كما اختار لهم خيرَ الأنبياء، وشرع لهم خيرَ الأديان، وأنزل عليهم خيرَ الكتب، وجعلهم شهداء على النَّاس كلِّهم لكمال فضلهم وعلمهم وعدالتهم. وظهرت حكمتُه في أن اختار لهم أفضلَ قبلةٍ وأشرفَها؛ لتتكامل جهاتُ الفضل في حقِّهم بالقِبلة (٢) والرسول والكتاب والشريعة.

ثمَّ نبَّه سبحانه على حكمته البالغة في أن جعل القِبلة أوَّلًا هي بيتَ المقدس؛ ليعلمَ سبحانه واقعًا في الخارج ما كان معلومًا له قبل وقوعه ممَّن يتَّبعُ الرسول في جميع أحوالِه، وينقادُ له ولأوامر الربِّ تعالى ويَدِينُ بها كيف كانت وحيث كانت؛ فهذا هو المؤمنُ حقًّا الذي أعطى العبوديةَ حقَّها، ومن ينقلبُ (٣) على عَقِبَيه ممَّن لم يَرْسَخ في الإيمان قلبُه، ولم يستقرَّ عليه


(١) (د): «وشوف». وفي طرتها: «لعله: وشوق». وهو تعبيرٌ معهودٌ من المصنف. انظر: «الفوائد» (٢٨٢)، و «أيمان القرآن» (٤٩١)، و «طريق الهجرتين» (٤٧٦).
(٢) (ت): «جهات الفضل في القبلة».
(٣) معطوفٌ على قوله: «ممن يتبع الرسول ... ».