للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سببَه قائم، ومُقْتَضِيه موجود، إلا أنه لم يتمَّ لتوقُّفه على شرطه.

وعلى هذا فكونُه متعلَّقًا للثَّواب والعقاب والمدح والذَّمِّ عقليٌّ، وإن كان وقوعُ العقاب موقوفًا على شرطٍ وهو ورودُ السَّمع.

وهل يقال: إنَّ الاستحقاقَ ليس بثابت، لأنَّ ورودَ السَّمع شرطٌ فيه؟ هذا فيه طريقان للنَّاس، ولعلَّ النزاع لفظيٌّ:

فإن أُرِيدَ بالاستحقاق الاستحقاقُ التَّامُّ، فالحقُّ نفيُه.

وإن أُرِيدَ به قيامُ السَّبب، والتَّخلُّفُ لفوات شرطٍ أو وجود مانع، فالحقُّ إثباتُه.

فعادت الأقسامُ الثَّلاثة ــ أعني: الكمال والنقصان، والملاءمة والمنافَرة، والمدح والذَّمَّ ــ إلى حرفٍ واحدٍ (١)، وهو كونُ الفعل محبوبًا أو مبغوضًا، ويلزم من كونه محبوبًا أن يكون كمالًا، وأن يستحقَّ عليه المدحَ والثَّواب، ومِنْ كونه مبغوضًا أن يكون نقصًا يستحقُّ به الذَّمَّ والعقاب.

فظهَر أنَّ التزام لوازم هذا التفصيل وإعطاءه حقَّه يرفعُ النزاع، ويعيدُ المسألةَ اتفاقية، ولكنَّ أصول الطَّائفتين تأبى التزام ذلك، فلا بدَّ لهما من التَّناقض إذا طَرَدوا أصولهم، وأمَّا من كان أصلُه إثباتَ الحكمة واتِّصاف الربِّ تعالى بها، وإثباتَ الحبِّ والبغض له، وأنهما أمرٌ وراء المشيئة العامَّة؛ فأصولُه مستلزمةٌ لفروعه، وفروعُه دالَّةٌ على أصوله، فأصولُه وفروعُه لا تتناقض، وأدلَّتُه لا تُمانَع ولا تُعارَض.

* ... * ... *


(١) (ق): «عرف واحد».