للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه أنَّ في ظهره من لا يصلحُ لمساكنته في داره، فأنزلَه إلى دارٍ استخرَجَ فيها الطيبَ والخبيثَ من صُلْبه، ثم ميَّزهم سبحانه بدارَين؛ فجعَل الطيِّبين أهلَ جِواره ومساكنته في داره، وجعَل الخبيثين أهلَ دارِ الشَّقاء دارِ الخبثاء.

قال تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال: ٣٧].

فلمَّا عَلِمَ سبحانه أنَّ في ذريَّته من ليس بأهلٍ (١) لمجاورته، أنزلَهم دارًا استخرَجَ منها أولئك وألحقَهم بالدار التي هم لها أهل؛ حكمةً بالغة، ومشيئةً نافذة، ذلك تقديرُ العزيز العليم.

* وأيضًا؛ فإنه سبحانه لما قال للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، أجابهم بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠].

ثم أظهَر سبحانه علمَه لعباده ولملائكته، بما جعَله في الأرض من خواصِّ خلقه ورسله وأنبيائه وأوليائه، ومن يتقرَّبُ إليه ويَبْذُل نفسَه في محبته ومرضاته مع مجاهدة شهوته وهواه، فيتركُ محبوباته تقربًا إليَّ (٢)، ويتركُ شهواته ابتغاءَ مرضاتي، ويَبْذُل دمَه ونفسه في محبتي، وأخُصُّه بعلمٍ لا تَعْلَمونه، يُسَبِّحُ بحمدي آناءَ الليل وأطرافَ النَّهار، ويعبدُني مع مُعارَضات (٣) الهوى والشَّهوة


(١) (ح): "أهلا".
(٢) كذا في الأصول. وهو التفات.
(٣) (ت): "معارضة".