للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا عَلِمَ الله سبحانه أنه لو اختَرم العبدَ قبل البلوغ وكمال العقل لكان ناجيًا، ولو أمهَله وسهَّل له النَّظر لعَنَد وكَفَر وجَحَد، فكيف يقال: إنَّ الأصلحَ في حقِّه إبقاؤه حتى يبلُغ، والمقصودُ عندكم بالتكليف الاستصلاحُ والتَّعريض لأسنى الدَّرجات (١) التي لا تُنالُ إلا بالأعمال؟!

أوليس الواحدُ منَّا إذا عَلِمَ من حال ولده أنه إذا أُعطِيَ مالًا يتَّجرُ به فهلكَ وخَسِر بسبب ذلك فإنه لا يعرِّضه لذلك، ويقبُح منه تعريضه له، وهو مِنْ ربِّ العالمين حسنٌ غيرُ قبيح؟!

وكذلك من عَلِمَ من حال ولده أنه لو أعطاه سيفًا أو سلاحًا يقاتِلُ به العدوَّ، فقتل به نفسَه وأعطى السِّلاحَ لعدوِّه، فإنه يقبُح منه إعطاؤه ذلك السِّلاح، والرَّبُّ تعالى قد عَلِمَ من أكثر عباده ذلك، ولم يقبُح منه سبحانه تمكينُهم وإعطاؤهم الآلات، بل هو حسنٌ منه.

كيف وقد ساعدوا على نفوسِهم بأنَّ الله سبحانه لو عَلِمَ أنه لو أرسل رسولًا إلى خلقه وكلَّفه الأداءَ عنه، مع علمه بأنه لا يؤدِّي، فإنَّ علمَه سبحانه بذلك يَصْرِفُه عن إرادة الخير والصَّلاح (٢)، وهذا بمثابة من أدلى حبلًا إلى غريقٍ ليخلِّصَ نفسَه من الغرق، مع علمه بأنه يخنُق نفسَه به.

وقد ساعدوا أيضًا على نفوسِهم بأنَّ الله سبحانه إذا عَلِمَ أنَّ في تكليفه عبدًا من عباده فسادَ الجماعة فإنه يقبُح تكليفُه، لأنه استفسادٌ لمن يَعْلَمُ أنه


(١) في الأصول: «والتعويض بأسنى الدرجات». وهو تحريف. وفي «النهاية»: «والتعريض لا معنى الدرجات». ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) «نهاية الأقدام» (٤٠٨): «فإن علمه به يصرفه عن إرادته الأداء عنه، فكذلك لو علم أنه يكفر ويهلك وجب أن يصرفه عن إرادته الخير والصلاح له».