للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من تمام حكمته وكمال رحمته، وهو البَرُّ الرحيم.

* وأيضًا؛ فإنه سبحانه لما خلَق خلقَه أطوارًا وأصنافًا، وسبَق في حكمه (١) تفضيلُه آدمَ وبنيه على كثيرٍ من مخلوقاته= جعَل عبوديَّته أفضلَ درجاتهم، أعني العبوديةَ الاختيارية التي يأتونَ بها طوعًا واختيارًا، لا كرهًا واضطرارًا.

وقد ثبت أنَّ الله سبحانه أرسل جبريلَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخيِّره بين أن يكون مَلِكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فنظر إلى جبريل كالمستشير له، فأشار إليه أنْ تواضعْ، فقال: "بل أكونُ عبدًا نبيًّا" (٢)؛

فذَكَره سبحانه باسم عبوديَّته في أشرف مقاماته: في مقام الإسراء، ومقام الدَّعوة، ومقام التحدِّي.

فقال في مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: ١]، ولم يقل: "برسوله"، ولا: "نبيه"؛ إشارةً إلى أنه نال هذا المقامَ الأعظم بكمال عبوديَّته لربه.

وقال في مقام الدعوة: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: ١٩].


(١) (ت): "حكمته".
(٢) أخرجه النسائي في "الكبرى" (٦٧١٠) - ومن طريقه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٥/ ٣٣٨)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -" (٦١١) من حديث ابن عباس بإسنادٍ منقطع.
وانظر: "النكت الظراف" (٥/ ٢٣٢).
وروي نحوه من حديث أبي هريرة.

أخرجه أحمد (٢/ ٢٣١)، وأبو يعلى (٦١٠٥)، والبزار (٣/ ١٥٥ ــ كشف الأستار). وصححه ابن حبان (٦٣٦٥).