للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيث جوَّزوا تعذيبَ من لم تقُم عليه الحجَّةُ أصلًا من الأطفال والمجانين ومن لم تبلُغه الدَّعوة.

وأخطؤوا في تسويتهم بين الأفعال التي خالفَ الله بينها فجَعَل بعضها حسنًا وبعضها قبيحًا، وركَّب في العقول والفِطر التَّفرِقة بينهما كما ركَّب في الحواسِّ التَّفرِقة بين الحُلو والحامض، والمُرِّ والعَذْب، والسُّخن والبارد، والضَّارِّ والنَّافع.

فزَعَمَ النُّفاةُ أنه لا فرق في نفس الأمر أصلًا بين فعلٍ وفعلٍ في الحُسْن والقُبح، وإنما يعودُ الفرقُ (١) إلى عادةٍ مجرَّدةٍ أو وَهمٍ أو خيالٍ أو مجرَّد الأمر والنهي، وسَلَبوا الأفعالَ خواصَّها التي جعلها الله عليها من الحُسْن والقُبْح.

فخالفوا الفِطر والعقول، وسلَّطوا عليهم خصومَهم بأنواع الإلزامات والمناقَضات الشنيعة جدًّا، ولم يجدُوا إلى ردِّها سبيلًا إلا بالعناد وجَحْدِ الضرورة.

وأصابوا في نفيهم الإيجابَ والتَّحريمَ على الله الذي أثبتته القَدَرِيَّةُ من المعتزلة، ووضعوا على الله شريعةً بعقولهم قادتْهم إلى ما لا قِبَل لهم به من اللوازم الباطلة.

وأخطؤوا في نفيهم عنه إيجابَ ما أوجبه على نفسه، وتحريمَ ما حرَّمه على نفسه بمقتضى حكمته وعدله وعزَّته وعلمه.

وأخطؤوا ــ أيضًا ــ في نفيهم حكمتَه تعالى في خلقه وأمره، وأنه لا


(١) (ت): «يعود الأمر».