للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ ينسبُ إليه أنواع تلك الأفعال وأشخاصها، فأيُّها (١) كان أولى به حكم له بالاقتضاء والتَّأثير.

وهذا هو المعقول، وهو الذي يعرفُه الفقهاءُ والمتكلِّمون على مناسباتِ الشريعة وأوصافها وعِلَلِها التي تُرْبَطُ بها الأحكام، فلو ذَهَبَ هذا من أيديهم لانسَدَّ عليهم بابُ الكلام في القياس والمناسبات والحِكَم، واستخراجِ ما تضمَّنته الشريعةُ من ذلك، وتعليقِ الأحكام بأوصافها المقتضية لها، إذا كان مَرَدُّ الأمر (٢) بزعمكم إلى مجرَّد خواطرَ طارئةٍ على العقل ومجرَّد وضعِ الذِّهن، وهذا من أبطل الباطل وأبيَن المُحال.

ولقد أنصفكم خصومُكم في ادِّعائهم عليكم لازمَ هذا المذهب، وقالوا: لو رُفِعَ الحُسْن والقُبح من الأفعال الإنسانيَّة، ورُدَّ إلى مجرَّد تعلُّق الخطاب بها، بَطَلَت المعاني العقليَّةُ التي تُستَنبطُ من الأصول الشرعيَّة، فلا يمكنُ أن يقاسَ فعلٌ على فعل، ولا قولٌ على قول، ولا يمكنُ أن يقال: لِمَ كذا؟ إذ لا تعليل للذَّوات، ولا صفات للأفعال هي عليها في نفس الأمر حتى ترتبط بها الأحكام.

وذلك رفعٌ للشَّرائع بالكليَّة مِنْ حيث إثباتُها، لا سيَّما والتعلُّق أمرٌ عَدَمِيٌّ، ولا معنى لحُسْن الفعل أو قُبحه إلا التعلُّقُ العدميُّ بينه وبين الخطاب، فلا حُسْنَ في الحقيقة ولا قُبحَ لا شرعًا ولا عقلًا، لا سيَّما إذا انضمَّ إلى ذلك نفيُ فعل العبد واختياره بالكليَّة، وأنه مجبُورٌ محض، فهذا فعلُه وذلك صفةُ فعلِه، فلا فِعلَ له ولا وصفَ لفعلِه (٣) البتَّة.


(١) (ق، د): «فانها». (ت): «فانه». وكله تحريف.
(٢) (ت): «يرد الأمر».
(٣) ساقطة من (ت). وفي (د، ق): «لقوله». وهو تحريف.