للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيجاب الشرعيِّ نوعٌ آخرُ غيرُ العذاب الثَّابت على الإيجاب العقليِّ. وبذلك يجيبون عن النُّصوص النَّافية للعذاب قبل البعثة.

وأمَّا الإيجابُ والتَّحريمُ العقليَّان غائبًا، فهم مصرِّحون بهما، ويفسِّرون ذلك باللُّزوم الذي أوجبَته حكمتُه وحرَّمَته، وأنه يستحيلُ عليه خلافُه، كما يستحيلُ عليه الحاجةُ والنَّومُ والتَّعبُ واللُّغوب.

فهذا معنى الوجوب والامتناع في حقِّ الله عندهم، فهو وجوبٌ اقتضته ذاتُه وحكمتُه وغِناه، وامتناعٌ يستحيلُ عليه الاتصافُ به؛ لمنافاته كمالَه وغِناه.

قالوا: وهذا في الأفعال نظيرُ ما تقولونه (١) في الصِّفات أنه يجبُ له كذا، ويمتنعُ عليه كذا، فقولنا نحنُ في الأفعال نظيرُ قولكم في الصِّفات، ما يجبُ له منها وما يمتنعُ عليه، فكما أنَّ ذلك وجوبٌ وامتناعٌ ذاتيٌّ يستحيلُ عليه خلافُه، فهكذا ما تقتضيه حكمتُه وتأباه وجوبٌ وامتناعٌ يستحيلُ عليه الإخلالُ به، وإن كان مقدورًا له، لكنه لا يُخِلُّ به؛ لكمال حكمته وعلمه وغِناه.

والفرقةُ الثَّانية منَعت ذلك جملةً، وأحَالت القولَ به (٢)، وجوَّزت على الرَّبِّ تعالى كلَّ شيءٍ ممكن، ورَدَّت الإحالةَ والامتناعَ في أفعاله إلى غير الممكن من المُحالات؛ كالجمع بين النَّقيضين، وبابِه (٣).

فقابلوا المعتزلةَ أشدَّ مقابلة، واقتسما طَرَفي الإفراط والتفريط.


(١) في الأصول: «يقولونه». وهو خطأ.
(٢) (ت): «وأحالت العقول به».
(٣) أي: باب الجمع بين النقيضين.