للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سائرُ الكواكب متصلةً به على وضعٍ مخصوصٍ وشكلٍ مخصوص فإنَّ ذلك الموضعَ المعيَّن بحسب الدرجة والدَّقيقة لا يعودُ إلا بعد ألوفِ ألوفٍ من السِّنين، وعمرُ الإنسان الواحد لا يفي بذلك، بل عمرُ البشر لا يفي به، والتَّواريخُ التي تضبِطُ هذه المدَّة مما لا يمكنُ وصولُها إلى الإنسان؛ فثبت أنه لا سبيل إلى الوصول إلى هذه الأحوال من جهة التَّجربة البتَّة (١).

ولا ينفعكم اعتذارُ من اعتذرَ عنكم بأنه لا حاجةَ في التَّجربة إلى ما ذكرتم، لأنَّا إذا شاهَدنا حادثًا معينًا في وقتٍ مخصوص، فلا شكَّ أنه قد تحصُل في الفلَك اتصالاتٌ للكواكب المختلفة في ذلك الوقت، فلو قدَّرنا عَوْدَ ذلك الوضع الفلَكيِّ بتمامه على تلك الحال ألفَ مرَّةٍ لم يُعْلَمْ أنَّ المؤثِّر في ذلك الحادث هل هو مجموعُ الاتصالات أو اتصالٌ معيَّنٌ منها؟ فإذا علمنا أنَّ ذلك الوضعَ بجملته فاتَ وما عاد، ولكنه عاد اتصالٌ واحدٌ من تلك الاتصالات، وكلَّما عاد ذلك الاتصالُ المعيَّنُ فإنه يعودُ ذلك الأثرُ بعينه، لا لأجل (٢) سائر الاتصالات؛ فثبت أنَّ الرجوعَ في هذا الباب إلى التَّجربة غيرُ متعذِّر.

وهذا الاعتذارُ في غاية الفساد والمكابرة؛ لأنَّ تخلُّف ذلك الأثر عن ذلك الاتصال العائد أكثرُ من اقترانه به، والتجربةُ شاهدةٌ بذلك، كما قد اشتهرَ بين العقلاء أنَّ المنجِّمين إذا أجمعوا على شيءٍ (٣) من الأحكام لم يكد يقَع، ونحنُ نذكرُ طرفًا من ذلك، فنقول في:


(١) انظر: «السر المكتوم» (١٠)، و «الفِصَل» (٥/ ١٤٩)، و «أبكار الأفكار» (٢/ ٢٧٠)، و «رسائل الشريف المرتضى» (٢/ ٣٠٣)، و «شرح نهج البلاغة» (٦/ ٢٠١، ٢٠٤).
(٢) «لا» ليست في (ت).
(٣) (ص): «على حكم».