للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا بعضُ ما احتجَّ به القائلون بهذا المذهب.

وعلى هذا، فإسكانُ آدمَ وذريته في هذه الجنة لا ينافي كونهم في دار الابتلاء والامتحان، وحينئذٍ فكانت (١) تلك الوجوهُ والفوائدُ التي ذكرتموها ممكنةَ الحصول في الجنة.

فالجوابُ أن يقال: هذا فيه قولان للناس، ونحن نذكرُ القولين، واحتجاجَ الفريقين، ونبينُ ثبوتَ الوجوه التي ذكرناها وأمثالها على كلا القولين.

ونذكرُ أوَّلًا قول من قال: إنها جنةُ الخلد التي وَعَدَها الله المتقين، وما احتجُّوا به، وما نقضوا به حججَ من قال: إنها غيرها، ثمَّ نتبعُه مقالةَ الآخرين وما احتجُّوا به، وما أجابوا به عن حجج منازعيهم، من غير انتصابٍ لنصرةِ أحد القولين وإبطال الآخر؛ إذ ليس غرضُنا ذلك، وإنما الغرضُ ذكرُ بعض الحِكَم والمصالح المقتضية لإخراج آدمَ من الجنة، وإسكانه في الأرض في دار الابتلاء والامتحان.

وكان الغرضُ بذلك الردَّ على من زعم أنَّ حكمة الله سبحانه تأبى إدخالَ آدمَ الجنة وتعريضَه للذنب الذي أُخْرِجَ منها به، وأنه أيُّ فائدةٍ في ذلك، والردَّ على من أبطل أن يكون له في ذلك حكمة، وإنما هو صادرٌ عن محض المشيئة التي لا حكمة وراءها.

ولما كان المقصودُ حاصلًا على كلِّ تقدير ــ سواءٌ كانت جنةَ الخلد أو غيرها ــ بنَينا الكلامَ على التقديرين، ورأينا أنَّ الردَّ على هؤلاء بدبُّوس


(١) (ق، ن): "كانت".