للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يابسٌ من الأرضيَّة، والجوزاء حارٌّ رطبٌ من الهوائيَّة، والسرطان باردٌ رطبٌ من المائيَّة! ما قال الطبيعيُّ قطُّ هذا، ولا يقولُ به.

وإذا احتجُّوا وقاسوا كانت مباداءُ قياساتهم أنَّ الحَمَلَ برجٌ منقلب؛ لأنَّ الشَّمس إذا نزلت فيه ينقلبُ الزمانُ من الشِّتاء إلى الربيع، والثَّورَ ثابتٌ؛ لأنه إذا نزلت الشَّمس فيه يثبتُ الربيعُ على ربيعيَّته.

والحقُّ أنه لا انقلابَ في الحَمَل، ولا ثباتَ في الثَّور (١)، بل هو في كلِّ يومٍ غيرُ ما هو في الآخر.

ثمَّ [هَبْ] أنَّ الزمانَ انقلب بحلول الشَّمس فيه، وهو يبقى دهرَه منقلبًا مع خروج الشَّمس منه وحلولها فيه (٢)، أتراها تُخلِفُ فيه أثرًا أو تُحِيلُ منه طباعًا، وتبقى تلك الاستحالةُ إلى ما تعود فتجدِّدها؟!

ولم لا يقولُ قائل: إنَّ السرطان حارٌّ يابس؛ لأنَّ الشَّمس إذا نزلت فيه يشتدُّ حرُّ الزمان، وما يُجانِسُ هذا مما لا يلزمُ لا هو ولا ضدُّه؟!

ما في الفلك اختلافٌ يعرفُه (٣) الطبيعيُّ إلا بما فيه من الكواكب ومواضعها، وهو واحدٌ متشابهُ الجوهر والطَّبع.

وهذه أقوالٌ قالها قائل، فقَبِلَها قابل، ونقلها ناقل، فحَسُنَ بها ظنُّ السامع، واغترَّ بها من لا خبرةَ له ولا قدرةَ له على النظر، ثمَّ حكمَ بحسبها


(١) «المعتبر»: «لا ينقلب في الحمل ولا يثبت في الثور».
(٢) «شرح النهج»: «والحق أنه لا ينقلب الحمل ولا يثبت الثور، بل هما على حالهما في كل وقت، ثم كيف يبقى دهره منقلبًا مع خروج الشمس منه وحلولها فيه».
(٣) في الأصول: «معرفة». وهو تحريف. والمثبت من «المعتبر». وفي «شرح النهج»: «فليس في الفلك اختلاف يعرفه الطبيعي».