للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوَّل بناء العالم إلى آخره عليه (١).

وقال بَطْليموس في بعض كتبه: «بعض الناس يعيبونَ هذا العلم، وذلك العيبُ إنما حصلَ من وجوه:

الأول: عجزُهم عن معرفة حقيقة مواضع الكواكب بدقائقها وثوانيها (٢)، وذلك أنَّ الآلات الرَّصديَّة لا تنفكُّ عن مُسامحاتٍ لا يفي بضبطها الحِسُّ؛ لأجل قلَّتها في الآلات الرَّصدية، لكنَّها وإن قلَّت في هذه الآلات إلا أنها في الأجرام الفلَكيَّة كثيرة، فإذا تباعَدت الأرصادُ حصلَ بسبب تلك المسامحات تفاوتٌ عظيمٌ في مواضع الكواكب (٣).

الثاني: أنَّ هذا العلمَ علمٌ مبنيٌّ على معرفة الدلائل الفلَكيَّة، وتلك الدلائلُ لا تحصلُ إلا بتمزيجاتِ أحوال الكواكب، وهي كثيرةٌ جدًّا، ثمَّ إنها مع كثرتها قد تكونُ متعارضةً ولا بدَّ فيها من الترجيح، وحينئذٍ يصعبُ على أكثر الأفهام الإحاطةُ بتلك التَّمزيجات الكثيرة، وبعد الإحاطة بها فإنه يصعبُ الترجيحاتُ الجيِّدة، فلهذا السَّبب لا يتفقُ من يحيطُ بهذا العلم كما ينبغي إلا الفردُ بعد الفرد، ثمَّ إنَّ الجهَّالَ يُظهِرُونَ من أنفسهم كونَهم عارفين بهذا العلم، فإذا حَكَمُوا وأخطؤوا ظنَّ الناسُ أنَّ ذلك بسبب أنَّ هذا العلمَ ضعيف.

الثالث: أنَّ هذا العلمَ لا يفي بإدراك الجزئيَّات على وجه التفصيل الباهر، فمن حَكَمَ على هذا الوجه فقد يقعُ في الخطأ.


(١) انظر: «المطالب العالية» للرازي (٨/ ١٥٢).
(٢) (ت، د): «وثوابتها». (ق): «ومواتيها». (ط): «ومراتبها». وكله تحريف.
(٣) انظر ما تقدم (ص: ١١٨٩).